معجزات النبى
إن الله تعالى قدر لعباده أفعالاً ، كما قدر لهم أجساماً و آجالاً ، انتهى إلى غاية أعجزهم عن تجاوزها : لتكون أفعالهم مقصورة على عرف مألوف ، و حد معروف : يتوصلون بها إلى مصالحهم ، فيعلمون أن ما تجاوزها و خرج عن عرفها من أفعال الله تعالى فيهم لا من أفعالهم ، فإن أظهرها في أحدهم دل على اختصاصه بالله تعالى دونهم فكان بها ممتازاً و إليه تعالى منحازاً فلذلك صارت الأفعال المعجزة شاهدة على صحة النبوة .
معجزة الطعام القليل المتكاثر :
ما رواه البخاري عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال : قلت لجابر بن عبد الله : حدثني بحديث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم سمعته منه أرويه عنك ، فقال جابر : كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم يوم الخندق ، نحفر ، فلبثنا ثلاثة أيام لم نطعم طعاماً و لا نقدر عليه ، فعرضت في الخندق كدية غليظة لا يعمل فيها الفأس . فجئت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فقلت هذه كدية قد عرضت في الخندق و رششنا عليها الماء .
فقام و بطنه معصب بالحجر ، فأخذ المعول و المسحاة ثم سمي ثلاثاً ، ثم ضرب فعادت كثيباً أهيل ، فلما رأيت ذلك منه قلت : يا رسول الله إئذن لي فأذن لي فجئت إلى امرأتي . فقلت : ثكلتك أمك إني رأيت من رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم شيئاً لا صبر لي عليه فما عندك قالت عندي صاع من شعير و عناق . قال : فطحنا الشعير ، و ذبحنا العناق و طبخناها و جعلناها في البرمة و عجنا العجين .
ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فلبثت ساعة ثم استأذنت ثانية فأذن لي ، فجئت فإذا بالعجين قد أمكن فأمرتها بالخبز ، و جعلت القدر على الأثافي ثم جئت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فشاورته . و قلت : عندنا طعيم لنا فإن رأيت أن تقوم معي أنت و رجل أو رجلان معك فعلت .
فقال : ما هو و كم هو ؟ قلت : صاع من شعير و عناق . فقال : ارجع إلى أهلك فقل لها : لا تنزع البرمة من الأثافي و لا يخرج الخبز من التنور حتى آتي ، ثم قال للناس : قوموا إلى بيت جابر ، فاستحييت حياء لا يعلمه إلا الله تعالى . فقلت لامرأتي : قد جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بأصحابه أجمعين .
فقالت : أكأن سألك كم الطعام ؟ قلت : نعم . قالت : الله و رسوله أعلم ، قد أخبرته بما كان عندنا ، فذهب عني بعض ما أجده ، و قلت لها : صدقت .
و جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فدخل ثم قال لأصحابه : لا تضاغطوا ، ثم برك على التنور و البرمة ، فجعلنا نأخذ من التنور الخبز و نأخذ من البرمة اللحم فنثرد و نغرف و نقرب إليهم .
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : ليجلس على الصحفة سبعة أو ثمانية فلما أكلوا : كشفنا التنور و البرمة فإذا هما قد عادا إلى أملأ مما كانا عليه حتى شبع المسملون كلهم و بقيت طائفة من الطعام .
فقال لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : إن الناس قد أصابهم مخمصة فكلوا و أطعموا ، فلم نزل يومنا نأكل و نطعم .
قال : فأخبروني أنهم كانوا ثمانما ئة أو قال مئتين أقل من الثمانمائة و هذا نظير معجزة عيسى عليه السلام في المائدة .
" ما رواه مالك بن أنس عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول : قال أبو طلحة لأم سليم : لقد سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء . قالت نعم . فأخرجت أقراصاً من شعير ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه ثم أرسلني إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فوجودته في المسجد معه الناس فقمت عليهم .
فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : أرسلك أبو طلحة ؟ قلت : نعم . قال : للطعام ؟ قلت : نعم .
فقال لمن معه : قوموا . فانطلق و انطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم و ليس عندنا من الطعام ما نطعمهم . فقالت : الله و رسوله أعلم ، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم و أنس معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : يا أم سليم ، هلمي ما عندك ، فجاءت بذلك الخبز ، فأمر به ففت ، و عصرت أم سليم عكة لها ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم ما شاء أن يقول . ثم قال : إئذن لعشرة فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ، ثم قال ائذن لعشرة ، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال : ائذن لعشرة حتى أكل القوم و شبعوا و خرجوا ، و القوم سبعون أو ثمانون رجلاً ، و المعجز فيه مع إطعام العدد الكثير من الطعام اليسير ما أخبر به أنس بن مالك مما جاء فيه " .
تفجر الماء من البئر الجافة :
: " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حصل بالحديبية و هي جافة قال للناس : انزلوا فقالوا : يا رسول الله ما بالوادي ماء ننزل عليه فأخرج سهماً فدفعه إلى البراء بن عازب . و قال : اغرز هذا السهم في بعض قلب الحديبية و هي جافة ففعل فجاش الماء ، و نادى الناس بعضهم بعضاً من أراد الماء ؟
فقال أبو سفيان : قد ظهر بالحديبية قليب فيه ماء . ثم قال لسهيل ابن عمرو : قم بنا إلى ما فعل محمد فأشرفا على القليب و العيون تحت السهم فقالا : ما رأينا كاليوم قط و هذا من سحر محمد قليل .
فلما أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بالرحيل . قال للناس خذوا حاجتكم من الماء ثم قال للبراء : اذهب فرد السهم ، فلما فرغوا أو ارتحلوا أخذ البراء السهم ، فجف الماء كأنه لم يكن هناك ماء " .
و هذا نظير ما أعطي موسى من الحجر الذي انفجرت منا اثنتا عشرة عيناً .
و مثله " ما روي أنه في غزوة بني المصطلق دعا بركوة جافة ثم تفل فيها ثم قلبها فتفجرت من بين أصابعه عيون حتى شرب الخيل و الإبل و ملئ كل سقاء " .
تحول الماء المالح إلى زلال :
" أن قوماً شكوا إليه صلى الله تعالى عليه و سلم ملوحة مائهم . فقام بأصحابه حتى أشرف على بئرهم ، فتفل فيها ثم انصرف ، فانفجرت بالماء الزلال ، و كانت غائرة ، و إنها على حالها إلى اليوم و يتوارثها أهلها ، و يعدونها من أعظم مفاخرهم " .
و لما بلغ ذلك قول مسيلمة سألوه مثلها ، فتفل فيها ، فصار ماؤها أجاجاً كبول الحمار و هي إلى اليوم على حالها .
إصلاح شعر قد تمعط :
" و جاءته صلى الله تعالى عليه و سلم امرأة بصبي لها قد تمعط شعره فمسح رأسه بيده ، فاستوى شعره " .
فبلغ ذلك قوم مسيلمة فأتوه بصبي مثله فمسح رأسه فصلع و بقي نسله صلعاً إلى وقتنا هذا .
عبور الوادي العميق :
: ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " لما غزونا خيبر و معنا من يهود فدك جماعة ، فلما أشرفنا على القاع إذا نحن بالوادي و الماء يقلع الأشجار و يهدهد الجبال فقدرنا الماء فإذا هو أربع عشرة قامة .
فقال بعض الناس يا رسول الله العدو من ورائنا و الوادي قدامنا . فنزل رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فسجد و دعا ، ثم قال : سيروا على اسم الله .
فعبرت الخيل و الإبل و الرجال ، فكان الفتح و الغلبة له ، و هذا نظير فلق البحر لموسى " .
طفلة مقتولة تستجيب لنداء النبي :
روى الحسن : " أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه و سلم فقال : إني قدمت من سفر لي فبينا بنت خماسية تدرج حولي في وصيفها و حليها ، أخذت بيدها فانطلقت بها إلى وادي فلان فطرحتها فيه .
فقال النبي صلى الله تعالى عليه و سلم انطلق معي فأراني الوادي . فانطلق معه إلى الوادي .
فقال النبي صلى الله تعالى عليه و سلم لأبيها : ما كان اسمها ؟ فقال : فلانة . فقال النبي : يا فلانة أجيبي بإذن الله . فخرجت الصبية و هي تقول لبيك يا رسول الله و سعديك . فقال : لها إن أبويك قد أساءا ، فإن أحببت أن أردك عليهما . فقالت : لا حاجة لي فيهما وجدت الله خير أب منهما " .
شفاء العيون المصابة :
" أن أبا قتادة بن ربعي جاءه يوم أحد ، و قد انقلعت إحدى عينيه و تعلقت على وجهه . فقال : يا رسول الله ، صلى الله تعالى عليه و سلم ، إن لي امرأة ، و أخشى أن يقصني هذا عندها . فردها رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم إلى موضعها فكانت أحسن عينيه " .
و مثله ما رواه عروة بن الزبير : أن زبيرة أسلمت فأصيب بصرها فقالوا لها أصابك اللات و العزى ، فرد الله عليها بصرها فقال عظماء قريش : لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقتنا إليه زبيرة ، فأنزل الله تعالى : " وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه " .
يد الرسول المباركة :
و من أعلامه : " شاة أم معبد الخزاعية و كانت مجهودة عجفاء و ضراء فمسح رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم ضرعها فدرت لبناً ، و امتلأت سمناً ، و بقيت على حالها إلى أن وافاها أجلها " .
" و أهدت له أم شريك عكة فيها سمن فأخذ منه شيئاً و رد العكة عليها . فلم تزل العكة تصب سمناً مدة طويلة ، إلى أمثال هذا و نظائره " .[/GRADE]
المرجع : كتاب أعلام النبوة