بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للإسلام و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ، نبين محمد و على آله و صحبه أجمعين و بعد :
فإن نعم الله عظيمة و آلاءه جسيمة و أعظم النعم و أجلها منزلة نعمة الإسلام التي من الله بها علينا و خصنا بها .
و مع الغزو الإعلامي المكثف و ليونة الدين في القلوب ظهر على ألسنة البعض أمر خطير و منكر و كبير هو : سب الله عز و جل أو الدين أو النبي محمد صلى الله عليه و سلم و أصحابه الكرام .. و في هذه الورقات بيان لعظم الأمر و خطورته حتى ننصح من نراه يفعل ذلك و نعلمه موطن الخير و ندله على طريق التوبة .
أخي المسلم : الإيمان بالله مبني على التعظيم و الإجلال للرب عز و جل و لا شك أن سب الله عز و جل و الاستهزاء به يناقض هذا التعظيم .
قال ابن القيم : و روح العبادة هو الإجلال و المحبة فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت فإذا اقترن بهذين الثناء على المحبوب المعظم فذلك حقيقة الحمد و الله أعلم .
و السب كما عرفه ابن تيمية : هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص و الاستخفاف و هو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن و التقبيح و نحوه .
و لا ريب أن سب الله عز وجل يعد أقبح و أشنع أنواع المكفرات القولية و إذا كان الاستهزاء بالله كفراً سواء استحله أم لم يستحله فإن السب كفر من باب أولى .
يقول ابن تيمية : إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً و باطناً سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحيلاً أو كان ذاهلاً عن اعتقاده .
و قال ابن راهويه : قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه .. كافر بذلك
و إن كان مقراً بما أنزل الله .
قال تعالى { إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذاباً مهينا ً ، و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً و إثماً مبينا ً } فرق الله عز و جل في الآية بين أذى الله و رسوله وبين أذى المؤمنين و المؤمنات فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتاناً و إثماً مبيناًو جعل على ذلك اللعنة في الدنيا و الآخرة و أعد له العذاب المهين و معلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم و فيه الجلد و ليس فوق ذلك إلا الكفر و القتل .
قال القاضي عياض : لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم .
و قال أحمد في رواية عبد الله في رجل قال لرجل : يا ابن كذا و كذا – أعني أنت و من خلقك - : هذا مرتد عن الإسلام تضرب عنقه .
و قال ابن قدامة : من سب الله تعالى كفر ، سواء كان مازحاً أو جاداً .
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز السؤال التالي :
ما حكم سب الدين أو الرب ؟ - استغفر الله رب العالمين – هل من سب الدين يعتبر كافراً أو مرتداً و ما هي العقوبة المقررة عليه في الدين الإسلامي الحنيف ؟ حتى نكون على بينة من امر شرائع الدين و هذه الظاهرة منتشرة بين بعض الناس في بلادنا افيدونا افادكم الله .
فأجاب حفظه الله :
سب الدين من أعظم الكبائر و من أعظم المنكرات و هكذا سب الرب عز و جل ، و هذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام ، و من أسباب الردة عن الإسلام ، فإذا كان من سب الرب سبحانه و تعالى أو سب الدين ينتسب إلى الإسلام فإنه يكون بذلك مرتداً عن الإسلام و يكون كافراً يستتاب ، فإن تاب و إلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية ، و قال بعض أهل العلم : إنه لا يستتاب بل يقتل ، لأن جريمته عظيمة ، و لكن الأرجح أنه يستتاب لعل الله يمن عليه بالهداية فيلزم الحق ، و لكن ينبغي أن يعزر بالجلد و السجن حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة ، و هكذا لو سب القرآن أو سب الرسول صلى الله عليه و سلم أو غيره من الأنبياء فإنه يستتاب فإن تاب و إلا قتل ، فإن سب الدين أو سب الرسول صلى الله عليه و سلم أو سب الرب عز و جل من نواقض الإسلام ، و هكذا الاستهزاء بالله أو برسوله أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله كالصلاة و الزكاة ، فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام ، قال الله سبحانه و تعالى { قل أبالله و آياته و رسوله كنتم تستهزءون (65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } نسأل الله العافية .
و سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين السؤال التالي :
ما حكم في رجل سب الدين في حالة غضب هل عليه كفارة و ما شرط التوبة من هذا العمل حيث أني سمعت من أهل العلم يقولون بأن زوجتك حرمت عليك ؟
فأجاب فضيلته :
الحكم فيمن سب الدين الإسلامي يكفر ، فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام و كفر بالله عز و جل و بدينه ، و قد حكى الله عن قوم إستهزؤوا بدين الإسلام ، حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون : إنما كنا نخوض و نلعب ، فبين الله عز و جل أن خوضهم هذا و لعبهم استهزاء بالله و آياته و رسوله و أنهم كفروا به فقال تعالى { و لئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض و نلعب قل أبالله و آياته و رسوله كنتم تستهزءون ( 65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } فالاستهزاء بدين الله ، أو سب دين الله او سب الله و رسوله ، أو الاستهزاء بهما ، كفر مخرج من الملة . أه
و أحذر أخي المسلم من مجالسة هؤلاء القوم حتى لا يصيبك إثم و تحل بدارك العقوبة .
سئل الشيخ محمد بن عثيمين السؤال التالي :
هل يجوز البقاء لي بين قوم يسبون الله عز و جل ؟
فأجاب حفظه الله :
لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز و جل لقوله تعالى { و قد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها و يستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين و الكافرين في جهنم جميعاً }
حكم سب الرسول صلى الله عليه و سلم :
للرسول مكانة عظيمة في نفوس أهل الإيمان ، فقد بلغ الرسالة ، و أدى الأمانة و نصح للأمة و جاهد في الله حق جهاده ، و نحن نحب الرسول صلى الله عليه و سلم كما أمر ، محبة لا تخرجه إلى الإطراء أو إقامة البدع التي نهى الرسول عنها و حذر منها . بل له المكانة السامية و المنزلة الرفيعة نطيعه فيما أمر ، و نجتنب ما نهى عنه و زجر .
و لنحذر من سب الرسول صلى الله عليه و سلم فإن ذلك من نواقض الإيمان ، التي توجب الكفر ظاهراً و باطناً ، سواء استحل ذلك فاعله أو لم يستحله .
يقول ابن تيمية رحمه الله : إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً و باطناً ، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلاً له ، أو كان ذاهلاً عن إعتقاده .
و الأمر في ذلك يصل إلى حتى مجرد لمز النبي صلى الله عليه و سلم في حكم أو غيره كما قال رحمه الله في حكمه أو قسمه فإنه يجب قتله ، كما امر به صلى الله عليه و سلم في حياته و بعد موته .
فأحذر أخي المسلم من هذا المزلق الخطر و الطريق السيئ و تجنب ما يغضب الله عز و جل .
سب الصحابة :
الصحابة هم صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و رفقاء دعوته الذين أثنى الله عليهم في مواضع كثيرة من القرآن قال تعالى { و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم }. قال تعالى { محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً } و من سبهم بعد هذه الآيات فهو مكذب بالقرآن .
و الواجب نحوهم محبتهم و الترضي عنهم و الدفاع عنهم ، و رد من تعرض لأعراضهم ، و لا شك أن حبهم دين و إيمان و إحسان ، و بغضهم كفر و نفاق و طغيان ، و قد أجمع العلماء على عدالتهم ، أما التعرض لهم و سبهم و ازدرائهم .
فقد قال ابن تيمية رحمه الله : إن كان مستحلاً لسب الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر .
و قد حذر النبي صلى الله عليه و سلم من ذلك بقوله " من سب أصحابي فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين " السلسلة الصحيحة 2340 .
و قال عليه الصلاة و السلام " لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسه بيده لو أن أحداً أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم أو نصيفه " رواه البخاري .
قال الشيخ محمد ابن عبد الوهاب : فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله من إكرامهم ، و من اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذب الله تعالى فيما أخبر من كمالهم و فضلهم و مكذبه كافر .
و سئل الإمام أحمد عمن يشتم أبا بكر و عمر و عائشة رضي الله عنهم أجمعين فقال : ما أراه على الإسلام .
و قال الإمام مالك رحمه الله : من شتم أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو ابن العاص ، فإن قال كانوا على ضلال و كفر قتل .
أما من قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فإنه كذب بالقرآن الذي يشهد ببراءتها ، فتكذيبه كفر ، و الوقيعة فيها تكذيب له ، ثم إنها رضي الله عنها فراش النبي صلى الله عليه و سلم و الوقيعة فيها تنقيص له ، و تنقيصه كفر .
قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم } و قد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا و رماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية فإنه كافر ، لأنه معاند للقرآن .
ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد ، لما ذكر رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة ، أمر بضرب عنقه ، فقال له العلويون : هذا رجل من شيعتنا فقال معاذ الله ، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه و سلم ، قال الله عز و جل { الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة و رزق كريم } فإن كانت عائشة رضي الله عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه و سلم خبيث ، فهو كافر فاضربوا عنقه ، فضربوا عنقه .
أخي المسلم :
إن سب الصحابة رضي الله عنهم يستلزم تضليل أمة محمد صلى الله عليه و سلم و يتضمن أن هذه الأمة شر الأمم ، و أن سابقي هذه الأمة شرارها ، و كفر هذا من يعلم بالاضطرار من دين الإسلام .
اللهم ارزقنا حبك و حب دينك و كتابك و نبيك صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام ، ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا و صلى الله على نبيه محمد و على آله و صحبه أجمعين .