سيرة "الحبيب".. نورالقلوب والأرواح.. "لم يكن شابًا عاديًا"
صلوا ياعشاق على عالٍ قدرٍ معظم ... صلي على النبي تنجو من حرٍّ لظى ويزول الهم ... شرف مكة لما أتاها ثم النور علاها وعم ... سلامي على من خاصه الله بالكرم ... سلامي على الممدوح في نون والقلم ... سلامي على من قال ياربي أمتي أجرها من النيران قال له نعم ... صلى الله على محمد "صلى الله عليه وسلم".
لم يكن "الحبيب" شابًا عاديًا
كان الشباب في مكة يلهون ويعبثون، أما (الحبيب) "صلى الله عليه وسلم" فكان يعمل ولا يتكاسل؛ يرعى الأغنام طوال النهار، ويتأمل الكون ويفكر في خلق الله، وقد ذكر النبي -بعد أن أوتي النبوة- ذلك العمل، فقال: (ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم) فقال أصحابه: وأنت؟ قال: (نعم، كنتُ أرعاها على قراريط لأهل مكة) – رواه البخاري
وكان الله – سبحانه وتعالى – يعده ليكون حاملاً لرسالة ثقيلة وعظيمة لهداية البشر كافة .. لذا فهو يحرسه ويرعاه على الدوام؛ فذات يوم فكر"محمد" أن يلهو كما يلهو الشباب، فطلب من صاحب له أن يحرس أغنامه، حتى ينزل مكة، ويشارك الشباب في لهوهم، وعندما وصل إليها وجد حفل زواج، فوقف عنده، فسلط الله عليه النوم، ولم يستيقظ إلا في صباح اليوم التالي...
لقد رباه الحق سبحانه وتعالى بخلق المصطفين الأخيار.. فهو لم يكن شابًا عاديًا يشغله مايشغل الشباب من أمور الدنيا، إنما هو منصرف إلى ملكوت الخالق جل جلاله ...
"محمد" والراهب
وقد خرج "الحبيب" في رحلتين إلى الشام، الأولى كانت مع عمه أبوطالب والقوافل التجارية، وعمره اثنا عشر عامًا، وفي هذه الرحلة كانت لمحمد حكاية مع راهب اسمه (بُحَيْرَى)، فما كادت القافلة تصل إلى بلدة اسمها (بصرى) حتى مرت خلال سيرها بكوخ يسكنه الراهب، فلما رأى القافلة خرج إليها، ودقق النظر في وجه "محمد"، ثم قال لأبي طالب: ما قرابة هذا الغلام منك؟
فقال أبوطالب: هو ابني - وكان يدعوه بابنه حبًّا له - قال بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي أن يكون هذا الغلام أبوه حيًّا..
قال أبوطالب: هو ابن أخي، فسأله بحيرى: فما فعل أبوه؟ قال أبوطالب: مات وأمه حبلى به..
فقال له بحيرى: صدقت! فارجع به إلى بلده واحذر عليه اليهود!! فوالله لئن رأوه هنا ليوقعون به شرًّا، فإنه سيكون لابن أخيك هذا شأن عظيم ...
فأسرع أبوطالب بالعودة إلى مكة، وفي صحبته ابن أخيه محمد، وهو يرعاه خوفًا عليه من الإيذاء كما أخبره الراهب..
رحلة "الحبيب" الثانية إلى الشام
وحين جاوز النبي "صلى الله عليه وسلم" العشرين من عمره سافر ثانية مع قافلة التجارة إلى الشام، حيث كان أهل مكة يستعدون لرحلة الصيف التجارية إلى الشام، وكل منهم يعد راحلته وبضاعته وأمواله، وكانت في مكة واحدة من أشرف نساء قريش، وأكرمهن أخلاقًا وأكثرهن مالا- تبحث عن رجل أمين يتاجر لها في مالها، ويخرج به مع القوم، وهي السيدة خديجة بنت خويلد، فسمعت عن محمد وأخلاقه العظيمة، ومكانته عند أهل مكة جميعًا، واحترامهم له لصدقه وأمانته، فاتفقت معه أن يتاجر لها مقابل مبلغ من المال، فوافق محمد وخرج مع غلام لها اسمه ميسرة إلى الشام ..
تحركت القافلة في طريقها إلى الشام، وبعد أن قطع القوم المسافات الطويلة، نزلوا ليستريحوا بعض الوقت، وحدث أمر غريب عندما جلس "الحبيب" تحت شجرة، وعلى مقربة منه صومعة راهب، فما إن رأى الراهب محمدًا، حتى أخذ ينظر إليه ويطيل النظر، ثم سأل ميسرة: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟
فقال ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي.. فتعجب ميسرة من هذا الكلام ..
وباعت القافلة كل تجارتها، واشترت ما تريد من البضائع، وكان ميسرة ينظر إلى محمد ويتساءل عن سر سماحته وأخلاقه والربح الكبير الذي حققه في مال السيدة خديجة..
وفي طريق العودة حدث أمر عجيب آخر، فقد كانت هناك غمامة في السماء تظل محمدًا، وتقيه الحر طوال الوقت، وكان ميسرة ينظر إلى ذلك المشهد، وقد بدت على وجهه علامات الدهشة الشديدة ..
وأخيرًا وصلت القافلة إلى مكة، وحكى ميسرة لسيدته خديجة ما رأى من أمر محمد، فقد أخبرها بما قاله الراهب، وبالغمامة التي كانت تظل محمدًا في الطريق؛ لتقيه من الحر دون سائر أفراد القافلة، فتعجبت مثله من حال محمد ..
شجرة الأنبياء
وهذه الشجرة التي استظل بها "الحبيب" عند رحلته إلى الشام مع ميسرة خادم خديجة "رضي الله عنه"، والتي قال عنها الراهب إنه مانزل تحتها إلا نبي.. هي شجرة "البقيعاوية"، المعمرة منذ زمن بعيد في صحراء الأردن الشرقية الشمالية بمنطقة الصفاوي، و"البقيعاوية" منطقة تتوسط الحدود السورية والسعودية والعراقية، وتقع في الشمال الشرقي من الأردن، وكانت القوافل تتخذ منها محطة على الطريق، بسبب وجودِ شجرة ضخمة فيها، قبل أن تكمل رحلتها إلى بصرى الشام..
ورغم مرورالسنين الطويلة على هذه الشجرة إلا أنها لا تزال تتمتع بخضرتها ورونقها وجمالها ..
ويزيد ارتفاع الشجرة على 11 مترًا ضاربة في العمق والتاريخ، لا أثر للحياة حولها، تعيش وحيدة شامخة وسط صحراء مترامية الأطراف مخضرة، حيث لا خضرة سواها ..
سلامي على من جاء بالآيات لنا وختم ... "صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم" ...