آداب الزفاف في السنة المطهرة
15- كفارة من جامع الحائض:
من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال:
"يتصدق بدينار أو نصف دينار"2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 أخرجه أصحاب "السنن" والطبراني في "المعجم الكبير" 3/14/1 و 146/1 و 148/2 وابن الأعرابي في "معجمه" 15/1 و 49/1 والدارمي والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وابن دقيق العيد وابن التركماني وابن القيم وابن حجر العسقلاني كما بينته في "صحيح سنن أبي داود" 256 وكذا وافقه ابن الملقن في =
ص -123- 16- ما يحل له من الحائض:
ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض وفيه أحاديث:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم:
"...اصنعوا كل شيء إلا النكاح"1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "خلاصة البدر المنير" وقواه الإمام أحمد قبل هؤلاء وجعله من مذهبه فقال أبو داود في "المسائل" 26:
"سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض؟ قال: ما أحسن حديث عبد الحميد فيه! قلت: يعني هذا قلت: وتذهب إليه؟ قال: نعم إنما هو كفارة. [قلت]: فدينار أو نصف دينار: قال: كيف شاء"
وذهب على العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر أسماءهم الشوكاني في "النيل" 1/244 وقواه.
1 أي: الجماع. قال الأزهري: =
ص -124- الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها وقالت مرة: يباشرها"1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "أصل النكاح في كلام العرب الوطء وقيل للتزوج: نكاح لأنه سبب للوطء المباح". "العرب".
والحديث قطعة من حديث أنس المتقدم في المسألة 14.
1 في "النهاية": "أراد بالمباشرة الملامسة وأصله من لمس بشرة المرأة وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وخارجا منه".
قلت: والثاني هو المراد منه هنا كما لا يخفى وبه قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.
قالت الصهباء بنت كريم: قلت لعائشة: ما للرجل من امرأته إن كانت حائضا؟ قالت: كل شيء إلى الجماع.
رواه ابن سعد 8/485.
وقد صح عنها مثله في الصائم أيضا وبيانه في "الأحاديث الصحيحة" المجلد الأول – رقم 220 و 221.
والحديث أخرجه الشيخان وأبو عوانة في صحاحهم وأبو داود وهذا لفظه رقم 260 من صحيحه.
ص -125- الثالث: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا [ثم صنع ما أراد]"1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود رقم 262 من صحيحه والسياق له وسنده صحيح على شرط مسلم وصححه ابن عبد الهادي وقواه ابن حجر والبيهقي 1/314 والزيادة له.
17- متى يجوز إتيانها إذا طهرت:
فإذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط أو تتوضأ أو تغتسل أي ذلك فعلت جاز له إتيانها2 لقوله تبارك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود رقم 262 من صحيحه والسياق له وسنده صحيح على شرط مسلم وصححه ابن عبد الهادي وقواه ابن حجر والبيهقي 1/314 والزيادة له.
2 وهو مذهب ابن حزم 10/81 ورواه عطاء وقتادة قالا في الحائض إذا رأت الطهر: أنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها وهو مذهب الأوزاعي أيضا كما في "بداية المجتهد" 1/44. قال ابن حزم:
"وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا". =
ص -126- وتعالى في الآية السابقة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وما ذكره عن عطاء رواه ابن أبي شيبة في المصنف 1/66.
وروى ابن المنذر عن مجاهد وعطاء قالا:
"إذا أردت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل".
ذكره الشوكاني 1/202.
وقال الحافظ ابن كثير 1/260:
"وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر عليها بشرطه إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده أنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل".
أقول: فهذا الاتفاق المذكور غير صحيح بعد أن علمت أن ثلاثة من كبار علماء التابعين مجاهد وقتادة وعطاء قالوا بجواز إتيانها ولو لم تغتسل فكيف يصح اتفاق وهؤلاء على خلافه؟! وإن في ذلك لعبرة للعاقل أن لا يتسرع في دعوى الاتفاق على شيء لصعوبة التحقق منه وأن لا يبادر إلى تصديقها ولا سيما إذا كانت مخالفة للسنة أو الدليل الشرعي.
ثم إن ما حكاه ابن كثير عن أبي حنيفة فد حكاه غيره أيضا =
ص -127- {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= متعقبين له رادين عليه فقد وصفه ابن جزم بأنه:
"لا قول أسقط منه لأنه تحكم بالباطل بلا دليل أصلا ولا نعلم أحدا قاله قبل أبي حنيفة ولا بعده إلا من قلده".
وقال القرطبي 3/79:
"وهذا تحكم لا وجه له".
ولهذا قال السيد رشيد رضا:
"وهو تفصيل غريب".
ووجه ذلك أن الله تبارك وتعالى اشترط لحل إتياهن أن يتطهرن وهو استعنال الماء وهو أمر زائد على طهرهن من الحيض كما سبق فلا يجوز إلغاء هذا الشرط أو تخصيصه بما إذا انقطع قبل العشرة وإنما هو رأي لأبي حنيفة رحمه الله بدا له لا يجوز لنا الأخذ به لمخالفته إطلاق الآية وهو رحمه الله قد قال فيما صح عنه:
"لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا"*.
فكيف يجوز لنا الأخذ بقوله وقد علمنا مخالفته للدليل؟! =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انظر تخريجه في كتابنا "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" ص 18 – 19 من الطبعة الرابعة طبع المكتب الإسلامي.
ص -128- يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ثم اعلم أننا إنما خيرنا بين "أن تغسل الدم أو تتوضأ أو تغتسل لأن اسم "التطهر" يقع على كل من هذه الأمور الثلاثة قال ابن حزم:
"الوضوء تطهر بلا خلاف وغسل الفرج بالماء تطهر كذلك وغسل جميع الجسد تطهر فبأي هذه الوجوه تطهرت التي رأت الطهر من الحيض فقد حل به لنا إتيانها وبالله التوفيق".
وفي مثل المعنى الثاني وهو غسل الفرج بالماء نزل قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} فإن النراد المتطهرين من الغائط فقد صح أنه لما أنزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم لأهل قباء:
"إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الذي تطهورن به؟" قالوا: والله يا رسول الله مانعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. قال: "هو ذاك فعليكم به"*.
وقد استعمل التطهر بنفس هذا المعنى في حديث عائشة =
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* صححه الحاكم والذهبي وقد خرجت طرقه وتكلمت عليها في فضل مسجد النبي من كتاب الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب.
ص -129- ........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض؟ فأمرها كيف تغتسل قال:
"خذي فرصة من مسك فتطهري بها".
قالت: كيف أتطهر؟
قل: "تطهري بها"!
قالت: كيف؟
قال: "سبحان الله تطهري"!
فاجتذبتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الدم.
رواه البخاري 1/229 – 330 ومسلم 1/179 وغيرهما.
وبالجملة فليس في الدليل ما يحصر معنى قوله عز وجل:
{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} بالغسل فقط فالآية مطلقة تشمل المعاني الثلاثة السابق فبأيها أخذت الطاهر حلت لزوجها ولا أعلم في السنة ما يتعلق بهذه المسألة سلبا أو إيجابا غير حديث ابن بعاس مرفوعا:
"إذا أتى أحدكم امرأته في الدم فليتصدق بدينار وإذا وطئها وقد رأت الطهر ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار" ولكنه حديث ضعيف فيه عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية وهو مجمع على ضعفه ومن ظنه عبد الكريم الجرزي أبا سعيد الحراني الثقة فقد وهم كما حققته في صحيح سند أبي داود رقم 258 ثم إن في متنه اضطرابا يمنع من الاحتجاج به لو صح سنده فكيف وهو ضعيف؟!