هجرة النبي من مكة للمدينة مع أبي بكر
لقد بعث الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأمره بالتبليغ والإنذار فكان يدعو إلى دين الله وعبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان فكان يمر بين العرب المشركين حين كانوا يجتمعون في الموسم من نواح شتى ويقول: أيها الناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا، ودعا إلى العدل والإحسان ومكارم الأخلاق ونها عن المنكر والبغي، فآمن به بعض الناس وبقي أكثر الناس على الكفر وصاروا يؤذونه وأصحابه، فلما اشتد الأذى عليهم هاجر بعض الصحابة إلى الحبشة وكانت هذه هي الهجرة الأولى وكانوا نحو ثمانين منهم عثمان بن عفان وجعفر بن أبي طالب.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي في الموسم نفرا من اهل يثرب من الخزرج فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا، ثم ازداد عددهم في العام التالي، فلما انصرفوا بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة ليعلموهم القرءان وليدعوا من لم يسلم إلى الإسلام، فلما كثر أنصار الرسول صلى الله عليه وسلم بيثرب أمر الله تعالى المسلمين بالهجرة إليها.
فهاجر المسلمون إلى المدينة أكثرهم تحت جنح الظلام وكان ممن هاجر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكنه خرج في وضح النهار ومعه أربعون من المسضعفين ممتشقا سيفه قائلا لصناديد قريش بصوت جهير، يا معشر قريش من أراد منكم أن تفصل رأسه أو تثكله أمه أو تترمل أمرأته أو ييتم ولده أو تذهب نفسه فليتبعني وراء هذا الوادي فإني مهاجر إلى يثرب، فما تجرأ أحد منهم أن يحول دونه ودون الهجرة.
وكان المشركون قد أجمعوا أمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعوا من كل قبيلة رجلا جلدا نسيبا وسيطا ليضربوه ضربة رجل واحد حتى يتفرق دمه في القبائل، فأتي جبريل عليه السلام وإلى رسول الله يخبره بكيد المشركين وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأمره أن يبيت على فراشه ويتسجى ببرد له أخضر ففعل، ثم خرج رسول الله على قوم وهم على بابه ومعه حفنة تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وهو يقرأ: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} إلى قوله: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} وأخذ الله عز وجل بأبصارهم، فلما أصبحوا فإذا هم بعلي بن أبي طالب فسألوه عن النبي فأخبرهم أنه خرج، فركبوا يطلبونه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار مع أبي بكر رضي الله عنه والذي كان ينتظر بفارغ الصبر مرافقته لرسول الله حيث إنه كان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بالهجرة فقال له عليه السلام لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا.
وكانت الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سارا حتى وصلا إلى غار ثور فدخلاه، وجاءت العنكبوت فنسبت على بابه، وجاءت حمامة فباضت ورقدت فلما وصل رجال قريش إلى الغار قال أبو بكر: يا رسول الله لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا ابا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما. معناه أن الله تعالى هو الذي يحفظنا وينصرنا. وليس معناه أن الله تعالى موجود معهما في الغار وكذلك قوله تعالى إخبارا عن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تحزن إن الله معنا} ليس معناه أن الله تعالى بذاته معهما في الغار بل المعية هنا هي معية النصرة أي الله تعالى هو الذي ينصرنا ويحمينا لأن الله تعالى لا يوصف بانه يحل مكانا فهو الموجود بلا مكان وهو المنزه عن كل صفات الخلق.
لقد حمى الله تعالى نبيه ومن معه وأكملا طريقهما حتى وصلا إلى المدينة المنورة حيث استقبله المؤمنون بالفرح واستبشروا بقدومه صلى الله عليه وسلم، وسمى الرسول يثرب المدينة المنورة وسمى أهلها الأنصار وبنى فيها مسجده ومساكنه.
فائدة: لم تكن هجرته صلى الله عليه وسلم هربا من المشركين فهو أشجع خلق الله تعالى ولم تكون لأجل الشهرة والجاه والسلطان فقد ذهب إليه أشراف مكة وساداتها وقالوا له: إن كنت تريد بما جئت به مالا جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد ملكا ملكناك إياه ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم يقينا أن دعوته دعوة حق لا بد أن يؤديها كما أمر الله وهو أشرف وأسمى من أن يكون مقصوده الدنيا والجاه والسلطان لهذا فقد قال لعمه أبي طالب: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه.
ولم تكن هجرته طلبا للراحة والتنعم بل كانت هجرته صلى الله عليه وسلم لنشر دين الله وإقامة دولة الإيمان ونشر كلمة لا إله الا الله في أرجاء المعمورة.
أهل القرون الثلاثة كان يواسي بعضهم بعضا بما رزقهم الله تعالى إلى حد كبير، يعرف ذلك من قرأ التواريخ يوجد رجل كان في القرن الثاني الهجري واليا على سجستان بلد من بلاد العجم اسمها سجستان يسمى طلحة الطلحات، هذه الوالي كان كريما ذا مروءة، حكي إنه زوج مائة عربية في تلك البلاد بمائة عربي مع تحمل الكلف عنهم. مثل هذا اليوم أين الذي يفعل مثل هذا الفعل.