وقفات في استقبال شهر رمضان
فكم لله سبحانه وتعالى على عبادة من نعم ومنح، لا يحصيها عاد، ولا يستطيع حصرها حسّاب.
ونحن – قراءنا الكرام – ندلف إلى نعمه من أجل النعم، ومنحه تتوالى على مدار السنين والأعوام، ذلكم هو شهر الصيام والقيام، والطاعات والقربات، والفوز والرضوان،(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)البقرة 185
هذا الشهر الذي أعتقد ألا يجهل فضله وخيره، وما فيه من الغنائم والمغانم، والحوافز والجوائز، مسلم يعيش في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الأحاديث، وعمت فيه المواعظ، وتعددت مصادر التوجيه، ويكفينا من ذلك ما وعد الله تعالى من مضاعفة الحسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة كما ثبت ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وجعل فيه العشر المتضمنة لليلة القدر، التي تعدل في الأجور ألف شهر، أي كرم بعد هذا لا يدركه مسلم عاقل، يعنيه مستقبله، وتهمه آخرته، ثم لا يعمل له.
ومن هنا لن نسهب في هذه الفضائل التي يسمعها ويقرأها المسلم في يومه وليلته، ولكن نقف معه وقفات لعلها ترسم لنا منهجاً للتعامل الحق مع هذا الشهر ليكسب مكاسبه في دنياه وأخرته.
الوقفة الأولى: هنيئاً لك أخي المسلم بإدراك الشهر، هنيئاً لك لما ستكسبه بإذن الله تعالى من عظيم الأجر، وكثرة الفضائل التي لا تعد ولا تحصر، هنيئاً لك ما أخلصت النية، وجددت العزم، وحررت القصد، في صيامك، وقيامك، وسائر طاعاتك، وكفك عن السيئات، وإن صغرت، أو قلّت، هنيئاً لك ماعرفت قيمة الشهر، فعلمت وعملت، وبذلت واجتهدت، وأنفقت وصبرت، واغتنمت الوقت، وحاسبت نفسك وإن أخطأت، وهنيئاً لك، ولكل من كان مثلك بهذا الشهر.
الوقفة الثانية: لعل من الخير ونحن نستقبل الشهر بكل أحاسيسنا وشعورنا ومشاعرنا وعقولنا وعواطفنا، أن لا نكتفي بهذه الأحاسيس والمشاعر – وإن كانت هي المنطلق – لنتجاوزها إلى برمجة الوقت والأعمال حتى نصل إلى المستوى المنشود، وإلى القمة التي وصل إليها الأسلاف، وتعاملوا مع هذا الشهر، نبرمج اليوم و الليلة، ولنقسم الأعمال عليها، ونبرمج الأعمال ونقسمها على الوقت وما نريد أن نؤديه، كما يجتهد أصحاب الأموال والشركات في عمل الموارد والمصاريف، وكل حسب وظيفته وعمله وموقعه من أسرته ومجتمعة حتى لا تستهلكنا الأعمال الجانبية، ويمضي عليها الليل والنهار، ورصيدك لا يسجل فيه إلا القليل وقد سبق المتنافسون السباقون والزمن لا يعود، أحسب أن هذه البرمجة المبدئية الواضحة من أهم المعينات والمقومات للوصول إلى الهدف المنشود من الشهر الكريم، ولقطف الثمار من هذه المنحة الربانية.
الوقفة الثالثة: المسلم الحق هو الذي يعيش في هذه الدنيا طالباً العلو في مسعاه إلى مراقي الصعود ليصل إلى القمة فيسجل ضمن السابقين، الفائزين، ومن فضل الله تعالى أن الفائزين غير محصورين في عدد معين.
يجب أن يعلمنا الشهر أن لاحد للأعمال الصالحة التي تصاحبها النوايا الخالصة فليكن رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والرائد الذي ينظر إليه المسلم فيتشجع ويقوى، هاهو يقوم الليل – عليه الصلاة و السلام – حتى تتفطر قدماه من طول القيام وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويقول أفلا أكون عبداً شكوراً، ألا يكون أسوتنا.
وكان جبريل - عليه السلام – يدارسه القرآن في رمضان، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، ويوقظ أهله في العشر الأخيرة ليغتنموا ليلة القدر، ويشد المئزر، ويلزم مسجده، ويبتعد عن لذات الدنيا وشهوتها في العشر، ما بال كثيرين همتهم تتنوع في هذا الشهر يمنه ويسره، ويسلكون كل واد إلا واد النجاة والفوز ويبحرون في كل مركب إلا مركب الصعود،.. ألا يكفي ما فرطنا في سائر الأيام والليالي لنعود ونعود مع هذه الفرصة التي قد لا تعود.
الوقفة الرابعة: لست وحدك أخي المسلم ولست وحدك أختي المسلم في كوكب بعيد عن إخوانك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فأنت بجسدك وروحك ومشاعرك بين إخوانك المسلمين، تعيش أفراحهم وأتراحهم، فمن الخير العميم والفوز والنجاة ان تعيش تلك الأفراح والأتراح تستشعرها، وتسهم في تنمية الأفراح ومعالجة الأتراح، إسهاماً بمال، وتفطيراً لصائم، و سعياً لحل مشكلة أرملة، أو عطف على مسكين، وقيام على يتيم، ودعوة إلى الخير، ودعاء صادق من القلب لحكام المسلمين بأن ينهجوا شرع الله، ويقيموا حدوده، وفرائضه، ولعلمائهم بالعون والتسديد، ولدعاتهم بالإخلاص والجد، ولكل مسئول بالقيام بمسئوليته، وللآباء والأمهات بحسن التربية والبناء لأسرهم، وللفقراء والمساكين والضعفاء والمجاهدين، ولعامة المسلمين والمسلمات فلتكن كريماً ولو في دعائك، وأعلم أن مردود الدعاء عليك دنيا وأخرى.
الوقفة الخامسة: ولأسرتك عليك حق، بل حق عظيم فليكن في تخطيطك نصيب عظيم للرقي بهم، وحثهم، ومشاركتهم وليرو فيك القدوة في قولك وفعلك وفي صيامك وقيامك، وإنفاقك وإحسانك وأشعرهم بحنوك عليهم وشفقتك وحرصك، وصوّر لهم عظم الفوز لمن اغتنم هذا الشهر وفداحة الخسارة لمن فرط فيه، وأعنهم على كل ما فيه خير، وأبذل من مالك ما تستطيع لتجد، استمع إلى قراءتهم القرآن، وأبد إعجابك بها، وشجّع المجد، وبيّن خطأ المخطئ، وعلاج الخطأ، ضع لهم الحوافز والجوائز، وسترى أثر ذلك على نفسك وعليهم في الدنيا والآخرة.
الوقفة الأخيرة: نحن نستقبل رمضان بكل فرح واعتباط فلنعقد العزم، ونجدد النية ونستشعر عظمة الشهر، وما فيه من كثرة الثواب وعظم الأجر، ونكثر من الأعمال التي كان يكثر منها رسول الله صلى عليه وسلم، رزقني الله تعالى وإياكم والمسلين والمسلمات حسن الصيام والقيام، وتوجنا سبحانه وتعالى بالقبول والرضوان،
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.