الصــــائمون الفــائزون
لصائمون الفائزون هم المتقون الذين صاموا رمضان إيمانا واحتسابا, ففازوا بجنات النعيم, تحقيقا لقوله تعالي: إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم,
وتلك الجنات تستعد وتتزين لهم, لتكرم صيامهم, حيث يقول الله عز وجل لها: استعدي وتزيني لعبادي, أوشكوا أن يستريحوا من تعب الدنيا إلي داري وكرامتي.., وهناك باب في الجنة يسمي باب الريان, يدخلون منه لايدخل معهم أحد غيرهم فإذا دخل آخرهم أغلق, فلم يدخل منه أحد كما ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم.
إن الصائمين يستحقون هذا التكريم, وقد كان الرسول حريصا كل الحرص علي أن يفوزوا في رمضان بالجزاء الأوفي والثواب الأعظم الذي جعله الله للصائم في الحديث القدسي: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به, ولذلك دعا إلي التنافس ومضاعفة الخير والبر والإحسان فيه, وأكد أن الشقي من حرم فيه رحمة الله.
ولاريب في أن الصائمين الفائزين أخلصوا دينهم لله, وأسلموا إليه زمام أمورهم, وجعلوا طاعة ربهم تهيمن علي كل شئ, إن طاعة ربهم ألزمتهم بالصوم, ليحظوا بالفضائل, ويقوموا بكل مايزكي النفس, ويربي الضمير, ويجعلوا الصلة بينهم وبين ربهم تبلغ أكرم مدي وأسمي مكانة, متمسكين بالإخلاص, والطهر, والاستقامة, والهدي.. إن طريق الطاعة يعتمد علي التقوي, والتقوي هي جماع الفضائل وخصال الخير, وهي الهدف الأول من الصيام. قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون, ومعني ذلك أن التقوي هي التي قادتهم إلي الفوز, وجعلتهم يمتثلون ما أمر الله سبحانه به, ويجتنبون مانهي عنه, ويعملون الصالحات في إتقان محكم, وإحسان بالغ.
لقد فاز هؤلاء الصائمون لأنهم أدركوا أن الصوم ليس جوعا وعطشا فقط, وإنما هو خلق وخير وصبر وطهر, ووقاية من المعاصي, ونأي عن الكذب, وقول الزور والغيبة والنميمة من كل منكر, حيث يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: إنما الصوم جنة, فإذا كان أحدكم صائما, فلا يرفث ولايجهل, وإن امرؤ قاتله أو شاتمه, فليقل: إني صائم إني صائم, والحق أنهم عرفوا أن القيمة الخلقية للصوم توجب عفة اللسان, وطهر القلب, وتحتم ترك المعاصي والشرور. يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
ومن أسرار فوز أولئك الصائمين أن الاستقامة هدتهم إلي الحق, وحمتهم من الفشل والخيبة ودفعتهم الي مسلك النبل والبر والإحسان, فأقبلوا علي الخير والعون والجود والكرم والرحمة, مستجيبين لقول الرسول: من فطر صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ.
إنهم وقفوا عند حدود الله, وعملوا الصالحات, وأعرضوا عن اللغو, وهاجروا بالصوم إلي الله ساعين إلي افضل المراتب وأعلي المنازل, ومهتدين بالقرآن وآياته البينات, ومتخلقين مكارم الأخلاق, ومكثرين من الصدقة, وزادهم التقوي, فهنيئا لهم بجنات النعيم, يقول ربهم: للذين أحسنوا الحسني وزيادة ولايرهق وجوههم قتر ولا ذلة اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون.