أرأيت يا عزيزتي كيف يخشى الرجل على نفسه وبيته وأولاده من امرأة ملعونة؟ هؤلاء يا أخيتي من النساء هن قدواتنا الحسنة، وما دمن لم يفعلن ذلك، فإن علينا أن نتبعهن، فذلك خير لنا في الدنيا والآخرة...لأنه «مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم» كما قال صلى الله عليه وسلم.. فهل نتشبه بالكافرات لنصاحبهن في جهنم والعياذ بالله؟
قالت: أعوذ بالله من جهنم.
قلتُ: إذن فاعلمي يا غالية أن "الله جلَّ وعلا لم يُحرِّم عليك الزينة مطلقًا، وإنما جعلها مقيدة بما يحفظ عليك مصالح الدنيا والآخرة، فما حرّمه الله من الأمور في الزينة إنما حرَّمه لما فيه من الضرر الأكيد سواء أدركَته عقولنا القاصرة أم لا".
ولكي تتأكدي أن الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لا يأمران إلا بخير، ولا ينهيان عن شيء إلا لحكمة: إستمعي معي لرأي الأطباء في هذا الأمر:
* يقول الدكتور وهبة أحمد حسن -الأستاذ بكلية الطب بجامعة الإسكندرية-: "إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من (مكياجات) الجلد بدلاً منها؛ لها ثأثيرها الضار، فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة.. إلى أن قال: إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشِّط الحلمات الجلدية، فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه".
* كما تحدَّث أخصائيو أمراض العيون عن حالتين لالتهاب النسيج الخلوي حول العين بسبب نتف الحواجب:
الأولى: لامرأة بلغ عمرها اثنين وعشرين سنة، حدث لها احمرار وتورم بعد يومين من نتف حاجبيها،
والثانية: لامرأة كان لديها احمرارًا وألمًا حول حاجبها بعد يوم من نتف الحواجب وصبغها بواسطة أخصائي تجميل، وبعد أربعة أيام التهبت منطقة ما حول العين. وأدخلت المريضة المستشفى.
وأعطيت المضادات الحيوية وريديًا ورغم هذا تشكلت فقاعات وقد خلفت الحالة بعد شفائها عيبًا وتشوهًا شديدًا بحجم 6 سم".
* وحول إزالة شعر الحاجبين أو شيء منهما من الناحية الطبية، تقول الدكتورة ريم الساعاتي -اختصاصية الأمراض الجلدية-: "بدايةً يجب التنبيه أولاً على أن إزالة شعر الحواجب من الناحية الشرعية حرام، أما عن الأضرار الصحية فقد يحدث التهابًا في أجربة الشعر ينتج عنه تصبغ بلون بني بعد شفاء الالتهاب وبالنسبة لصبغ شعر الحواجب فقد يسبب تحسسًا في الجلد يظهر على شكل احمرار وحكة في المنطقة التي استعملت فيها الصبغة، كما أن رسم الحواجب باستعمال الماكياج قد يسبب حساسية أيضًا من جراء استخدام مستحضرات التجميل، أما المرأة التي ترسم الحواجب بطريقة الوشم فتتعرض لمشاكل عديدة منها انتقال بعض الأمراض بإبر الوشم أو الحساسية من المواد المحقونة في الوشم".
* وبالإضافة إلى هذا، فقد وجد علماء الغرب "أن كل شعرة في الحاجب تتصل بكثير من أعصاب الحسية وإن تم نزعها رويدًا، فأنذلك يضر الغدة الدرقية والكلية والأعصاب الحسية في العين".
* ليس هذا فحسب، وإنما "أثبت الطب حديثًا أن شعيرات الحاجبين متصلة بخلايا في الدماغ وكلما نُزعت شعرة من هذه الشعرات ماتت الخلية المتصلة بهذه الشعرة.. وهذا الأمر خطر على الإنسان لأن الدماغ مليء بالخلايا وكما هو المعلوم فإن الخلايا الدماغية لا تتجدد بعد موتها كما هو الحال بالنسبة لباقي الخلايا الجسدية العضوية".
قالت متعجبة: سبحان الله!!!!!!
قلتُ: نعم لقد صَدَقتِ يا غالية، وصدق الله العظيم القائل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فُصِّلت: 53].
قالت: بلى كفى بالله على كل شيء شهيدًا.. ولكن ألم يأمر الله بطاعة الزوج؟
قلت: نعم.
قالت: إن بعض النساء ينتفن الحاجبين ليتزيَّنَّ للزوج، أو لأن الزوج أمرهن بذلك!!!!
قلت: هل تظنين يا أخيتي أن من تُرضي زوجها بشيء يغضب الله سوف تُفلح؟
هل تتصورين أن يكون ذلك سببًا في رضا زوجها عنها؟!!!!
فنظرت إليَّ في حيرة.. فقلت لها: من المعروف أنه: «مَن أرضى الله بسَخَط الناس، رضي الله عنه وأرضى الناس، ومن أسخط الله برضا الناس، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس».
فقلوب الناس كلها بيديه سبحانه يقلِّبها كيف يشاء... ولو أراد الله أن يحبها الزوج لأحبها ولو كانت أقبح نساء الأرض!!!
ألم تسمعي قول الله تعالى في الحديث القُدسي: «مَن أطاعَني ألَنتُ له الحديد».
أما عن طاعة الزوج وغيره يا حبيبتي فلا تكون في أمرٍ نهى الله عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
ثم قلتُ: هناك نقطة أخرى هامة.
قالت: ما هي؟
قلتُ لها: إذا كنت تريدين أن تشيِّدي بناية، وقال لك المهندس المسئول أنه من الأحوط أن نفعل كذا حتى يكون البناء أقوى، هل تطيعينه أم تعارضينه؟
قالت: بل أطيعه بدون تردد!
قلت: كذلك يا غاليتي ينبغي لنا أن نأخذ بالأحوط في ديننا، فإن الدنيا إذا ضاع منها شيء كان من السهل تعويضه، أما أمور الآخرة، فما يضيع منها يجعلنا نواجه مخاطر لا طاقة لنا بها.
كما أن أي خبير في الدنيا إذا أعطاكِ رأيه فلن يكون كالعليم الخبير سبحانه، لأنه أدرى بنا، فهو الذي خلقنا بيديه الكريمتين، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [المُلك: 14].
قالت نعم لقد اقتنعتُ، بارك الله فيكِ.
قلت: الحمد لله رب العالمين.
قالت: نعم الحمد لله.. ولكن هناك الكثير من الفتيات والنساء اللاتي يفعلن ذلك... آه، كم أخشى عليهن!!!!
قلت لها: إن ذلك يذكرني بالآية الكريمة: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} [الأنعام: 116].
وقول السَّلف: "إلزَم طريق الهداية ولا يغرنك قِلة السالكين، وأبعد عن طريق الغواية ولا يغُرنَّك كثرة الهالكين".
والآن واجبك يا غالية أن تنقلي اقتناعك هذا إلى كل من تستطيعين، ولا تترددي ولا تخجلي، فأنت بذلك تنقذينهن من النار.
قالت: نعم، ولكن.. هل تُعد الكوافيرة أو المزيِّنة للنساء نامصة؟
قلت: بالطبع نعم يا غاليتي.
قالت: إن لي صديقة تكسب عيشها من العمل في تزيين النساء بكل أشكال الزينة، ومن هذه الأشكال: النمص.
فقلت لها: إن هذا يعني أنها ملعونة لولم تترك النمص لها ولغيرها. بل والأدهى من ذلك أن المال الذي تكسبه به جزء من الحرام.
قالت: يا إلهي، إنني سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سعد أطِب مطعمك تكُن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يُتقبل منه عمل أربعين يومًا، وأيَّما عبد نبت لحمه من حرام فالنار أولى به».
قلت: نعم يا غالية ينبغي لك أن تنبهيها لأن لحمنا أغلى من أن نشويه بالنار من أجل أشياء تافهة.
فالرزق مقسوم ولن يأخذ أحدٌ رزق أحد أبدًا، بل إنك لو هربتِ من رزقك لطاردك كما يطارد الموت صاحبه.. فالأولَى بها أن تعمل فيما يُرضي الله سبحانه، وتمتنع عن كل ما يُسخطه، مهما كلفها ذلك... لعل الله يرحمها في الدنيا والآخرة، ويبارك لها في هذا المال.
قالت: وماذا تفعل من كانت ترقِّق حاجبيها أو تهذبهم وتريد الإقلاع عن ذلك؟قلت: تتوب فورًا بدون تأجيل لأن الشيطان يكره هذه التوبة، ولذلك فسوف يوسوس لها بالتأجيل والتسويف الذي يعد أحد مداخله، وبما أن الموت يأتي فجأة بدون استئذان، فإن تأجيل التوبة ليس من مصلحتها.
قالت: وكيف تتوب؟
قلتُ: إن شروط التوبة يا غالية أن تتوقف فورًا عن الذنب، وتندم على فعلها له، ثم تعاهد الله تعالى على ألا تعود إلى ذلك ثانية.
قالت: وبعد ذلك؟
قلت: ستنمو الشعيرات بالتدريج، وعليها أن تحتمل ما قد تراه من الشعيرات المتناثرة هنا وهناك بدون نظام لأنها كانت تنزعها من قبل بدون نظام، وكلما نظرَت إلى المرآة استعاذت بالله من الشيطان الرجيم، ثم قامت بتسوية حاجبيها بأناملها، أو بالفرشاة، أو بكريم مرطب، ثم تكف عن النظر إليهما وتُنهي غرضها من الوقوف أمام المرآة وتنصرف.. وهكذا كلما وقفتِ أمام المرآة.
مع الدعاء المستمر لله سبحانه وتعالى بأن يثبت قلبها على دينه وأن يعينها على طاعته.
فإذا صبَرَت حتى يكتمل الشكل الطبيعي للحاجبين فسوف تكون هناك مفاجأة!!!
تعجبت قائلة: مفاجأة؟!! إنني أفكر في التوبة الآن!
قلت: نعم مفاجأة، ومكافأة في نفس الوقت!!!
قالت: كيف؟
قلتُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن ترَك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه».
وأنتِ جزاء طاعتك لله ومغالبة هواكِ والشيطان سوف تندهشين حين ترين شعيرات حاجبيك قد انتظمت وعادت إلى سابق عهدها قبل أن ترققيها.
قالت: كيف؟
قلت: بقدرة الله، ولكن لا تسألي، ولكِ أن تجربي إذا أردتِ أن تتأكدي من صحة قولي، أو تسألي التائبات من النمص.
قالت: وما المكافأة؟
قلتً: ستكون المكافأة أنك أصبحتِ أجمل وأبهى وأصغر سنًا بعد إن عاد الحاجبين إلى الشكل الطبيعي، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14].
لأن "جمالك يزداد بطاعة الله.. ونورك يسطع بعبادته سبحانه، ولكِ في ما أحلَّه الله من الزينة غِنَى وكفاية.. تذكري أن الوجه سيبلى.. والخدود سيأكلها الدود.. والجسد كله سيفنى.. ولا يبقى لك في القبر إلا ما قدّمتِ من عمل صالح.. وفقك الله يا حبيبتي لما يحب ويرضى".
قالت: آمين.
قلت: والأجمل من كل ذلك، أن إيمانك سوف يزداد إن شاء الله، فإن "من عقيدة أهل السُّنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ وكلما كان إيمانك بالله كبير وخوفك من الله عظيم لن يغلبك الشيطان -بإذن الله- في الوقوع في النمص".
ليس هذا فحسب وإنما ستشعرين بما يشعر به كل تائب من راحة في القلب وصفاء في النفس واطمئنان وسكينة، بل وخشوع أكثر في الصلاة، ليس فقط لأن التائب حبيب الرحمن، ولكن أيضًا لأن الشيطان الذي كان يأمرك بالنمص قد أبدله الله تعالى بملَك يحفظك ويطمئنك بعد التوبة.
وكلما حدَّثتكِ نفسك بالعودة إلى النمص يمكنك قراءة الكلمات التالية:
أجمل طريقة لنمص الحواجب،
أخيتي: سَمِّي الله، واتبعي الخطوات التالية:
أولا: جهزي أدواتك، واجلسي أمام المرآة.
وثانيا: خذي نفسًا عميقًا قبل أن تقرأي كلماتي:
عزيزتي.. وأختي الغالية لكِ أن تتصوري معزتي وحبي لكِ في الله، وتوقعي أن تكون كلماتي هذه صادرة من عاطفة الأخوة.
أرأيتني لو أقدمتُ أنا على شفا جرف هار هل ستقفين مكتوفة الأيدي؟
لا أظنك.. لأنني أعلم أنك تحبين الخير للناس.
تخيلي: لو كان العكس.. هل تظنين أني سأتخلى عنك؟
لا وربي.. سأهب لنجدتك.. ولو كنت مكبلة بسلاسل!!
غاليتي:
عندما تقْدمين على إزالة أول شعرة من حاجبيك وتتذكَّري قول حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: «لعن الله النامصة والمتنمصة».
لستِ بحاجة لإيضاح معنى النمص وحكمه فمثلك يستحيل أن يخفى عليه ذلك..
يا إلهي..
من أنا.. ومن أنتِ حتى نشتري غضب الله وسخطه بشعرة؟
هل تستحق نفسك أن تحرميها دخول الجنة بشعرة؟
هل تعرفين الجنة؟
هل تعرفين الفردوس الأعلى من الجنة؟
هل سمعتِ بيوم المزيد؟
تعالي نتخيل معًا يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه..
كما يُرى القمر ليلة البدر!!!
هل استغنيتِ عن رؤية وجهه -جلّ وعلا-.. لا أخالكِ كذلك
يوم يقول: «يا أهل الجنة.. أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد؟» فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارضَ عنا ..
فيقول: «يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أُسْكِنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني».
هنا أتيقن أنكِ قادرة على اتخاذ قراركِ..
هنا فقط!! تتركين الشعرة في مكانها الذي اختاره الله لها..
صدقيني ستشعرين برضى داخلي لا مثيل له.. لن تندمي.. وسوف ترتاحين من تأنيب الضمير..
وهنيئــــــــــًا لــــــــكِ بهـــــذا القـــــــــرار...
وكلما رأيتِ غيرك ممن تملك حاجبين أجمل من حاجبيك سواء كانت نامصة أم غير نامصة، فتذكري قول حبيبك صلى الله عليه وسلم: «اتـقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس».
ورددي بينك وبين نفسك: "بُشراكِ برب كريم يباهي بك الملائكة!!".
قالت: ماذا؟!!! الله سبحانه يتباهى بي –أنا- أمام الملائكة؟
قلت: نعم يا حبيبتي بك وبالطائعين أمثالك.
قالت: كيف؟
قلت لها: "لقد ذكر الله تعالى في سورة البقرة قصة خلق الإنسان وأوضح أنه أخبرالملائكة بذلك قبل الخلق، فقالوا له –سبحانه- وهل قصرنا في عبادتك؟ ألسنا نسبحك ليل نهار، ونفعل كل ما تأمرنا به ولا نعصيك أبدًا؟ أتخلق من يُفسد في الأرض؟ وهو بالطبع سؤال المُشفق من أنْ يُعصَى الله في أرضه. فكان رده -سبحانه- عليهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، لذلك عندما يطيع الإنسان ربه فإن الله تعالى يتباهى به أمام الملائكة ويقول لهم: ألا ترون؟ ألم أقل لكم أني أعلم أن ليس كل البشر مفسدين في الأرض؟".
ولكِ أن تقرأي ذلك في الآيات الكريمة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
فتهلل وجهها فرحًا.
قلتُ: وكلما شعُرتِ بأنك غريبة بين النامصات في المجتمع من حولك يمكنك أن تقولي: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا من خلقه وفضَّلني على كثير من عباده تفضيلاً"، نعم الحمد لله الذي اختارك من بين العاصيات ليوفقك للتوبة، ومن ثم الجنة إن شاء الله.
وتذكَّري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للغرباء»، فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: «أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم».
واجتهدي لمصاحبة الصالحات ممن ترتاحين إليهن فإن ذلك يعينك على طاعة الله بوجه عام، كما يشد من أزرك وأزرهن في الخير.
قالت: وأين أجدهن؟
قلتُ: في دروس العلم بالمساجد، ودور تعليم تجويد القرآن، وإذا لم تجدي فأيسر وسيلة هي الدعاء لله سبحانه في سجودك أن يرزقك الصحبة الصالحة التي تعينك على إرضاءه، وتثبتك على الحق.
وبعد، نصيحتي لك يا غالية، حتى تتجنب ابنتك ذلك في المستقبل إن شاء الله:
* أن تربيها على أن تتزين بالحلال، وعلى عدم النمص أو تغيير خلق الله، وذلك بالقدوة قبل الكلام.
* وأن تعلميها الرضا باختيار الله لها، والثقة في وعده بنصر من ينصر دينه كما جاء في قوله جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
* وأن تذكِّريها أن نصيبها من الجمال في الدنيا مهما زاد فهو قليل إذا قورن بجمالها في الجنة، فهناك -إن شاء الله- سوف تكون أجمل من الحور العين، بل وسيزداد جمالها كل أسبوع، لأنها أطاعت ربها رغم وسوسة شياطين الإنس والجن من حولها، ولأنها روَّضت نفسها الأمارة بالسوء وقاومت شهوتها للجمال الذي يحرِّمه الله.
وأن جمال الجسم في الدنيا مهما زاد، فهو -ككل نعمة في الدنيا- نفرح به لفترة ثم نزهد فيه، بعكس جمال الروح الذي ينمو ويزداد كلما اعتنينا به، ويتحول إلى قبول في قلوب الناس، "يقول الشاعر:
يا خادم الجسم كم تسعى لراحته *** أتعبت جسمك فيما فيه خُسرانُ
أقبِل على الروح فاستكمل فضائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان"
وحتى يرزقكِ الله الزوج الصالح والإبنة الطيبة؛ لماذا لا تنصحي البنات من أخواتك وأقاربك وجيرانك وغيرهن من معارفك؟!
ولعلك تعلمين أن جزءًا من شكرك لله على هدايتك للتوبة من النمص هو:
* أولاً: أن تعملي أعمالاً صالحة، لقوله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان: 70].
أي إن كل السيئات التي اكتسبتيها من النمص سوف تتحول إلى حسنات إن أنت أتْبَعتِي توبتك بأعمال صالحة مثل ذكر الله بالتسبيح والدعاء والشكر، وصلاة النوافل -وخاصة قيام الليل ولو بركعتين- وتلاوة القرآن الكريم (وخاصة تلاوته بالطريقة الصحيحة كما قرأه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم) والصَّدَقة، وصوم النوافل، وأداء العمرة، والحج لمن يستطيع... وغير ذلك مما يتيسر لك.
* ثانيًا: تحاولي أن تعيني غيرك على التوبة أيضا، ألم تسمعي بُشرى الحبيب صلى الله عليه وسلم: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حُمُر النَّعَم».
قالت: وما حُمُر النَّعَم؟
قلتُ: هي "أجود الإبل وأحسنها، وهناك من قال: هي الإبل الحامل".
والمقصود بها السيارات الفاخرة التي يتمناها الناس لأنفسهم، ولقد عبر الرسول الكريم عنها بالإبل لما لها من مكانة عظيمة لدى العرب.
قالت متعجبة: وهداية شخص واحد على يديَّ خير منها؟!!!
قلت: بلى يا غاليتى، إن فائدة ذلك يعود عليك وعليهن جميعا، ويثبِّت قلبك على عدم النمص وعلى عدم معصية الله تعالى بشكل عام، ويجعلك -إن شاء الله- في مقام الأنبياء... أليست الدعوة إلى الخير والحق وظيفة الأنبياء؟!!!
أليس «مَن تشبه بقوم فهو منهم؟» كما قال صلى الله عليه وسلم؟
ألم يأمرنا الله تعالى بالدعوة إلى سبيله، ثم بشر الطائعين لأوامره بقوله: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} [النساء: 69].
بقي أن تذكري يا أخيتي الحبيبة أن وظيفة الأنبياء هذه شروطها -بعد النية الخالصة لله عز وجل- هي التعامل بالحِكمة، والموعظة الحسنة!!
فإذا كنتِ لا تجيدين النصح برفق وحِكمة، فلك أن تقومي بإهداءهن كتيبًا أو شريطًا أومقالاً موثوق في صحَّتهم حول هذا الموضوع.
قالت: الله المُستعان.
فقلتً: أحسنتِ يا غالية، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان دائمًا ما يستعين بقوة الله وهدايته وتوفيقه بعد كل صلاة قائلا: «اللهم أعِنِّي على ذِكركَ وشُكرك وحُسن عبادتك»، فإذا كان المعصوم، المُلهَم، الذي لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك، فما أحوجنا نحن إلى هذا الدعاء!!!
فأومأت برأسها وهي تُقر بذلك، وودَّعتني بحرارة، فودَّعتها وأنا أدعو لها بالتوفيق والمزيد من الهُدى والرشاد.