الفرع الثالث: الممنوع في الزيارة
ارتكب الناس الكثير من البدع أثناء زيارتهم مسجد النبوي وقد نبه العلماء على كثير من هذه المخافات والبدع التي لا يدعمها دليل وهي على كثرتها لا يمكن حصرها لكثرة الأهواء وتنوعها واختلافها وطرقها ولكن سنكتف هنا ببيان بعضها والتي تكون أحيانا ظاهرة عند كثيرين:
1. إرسال العرائض مع الحجاج والزوار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتحميلهم سلامهم إليه .
وهذا كثيرا ما يحصل أن يرسل بعض الناس مع الحجاج عرائض ورسائل مكتوبة فيها السلام على النبي r أو بعض الأدعية والقصائد أو الشكاوى كما قيل أن الشيخ السبكي أرسل عريضة إلى قبر رسول اللهr يشتكي فيها الشيخ ابن تيمية لكونه يقول بعدم جواز شد الرحل إلى قبرهr كما سيأتي توضيحه، وهذا مما لم يفعله سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم والذين كانوا أشد حبا منا لرسول اللهr وأكثر إتباعا له.
2. الاغتسال قبل دخول المدينة المنورة .
إذا كان على جهة التعبد فتكره وأما إذا كانت على جهة طلب النظافة فلا بأس.
3. القول إذا وقع بصره على حيطان المدينة : اللهم هذا حرم رسولك ، فاجعله لي وقاية من النار ، وأماناً من العذاب وسوء الحساب.
4. القول عند دخول المدينة : بسم الله وعلى ملة رسول الله : ﴿... رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً ﴾[ الإسراء:80]. والقول في هذين كسابقهما.
5. زيارة قبره صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة في مسجده، لأن الأصل هو زيارة المسجد لا القبر، ولأن المسجد تحيته الصلاة.
6. قصد استقبال القبر أثناء الدعاء، فلو فعله من غير قصد فلا بأس وإن كان الأفضل استقبال القبلة.
7. قصد القبر للدعاء عنده رجاء الإجابة وطلب الشفاعة وغيرها منصاحبه:
يقصد البعض زيارة القبر النبوي وقبور أصحابه للدعاء عندهم ظنا منه أن الدعاء عندها أقرب للإجابة، ولو كان كذلك لما ترك الصحابة هذه الفضيلة، والصواب أن الدعاء عند القبر النبوي يجوز تبعا بعد السلام على النبي r وصاحبيه، أما بقية القبور غير فبر النبي r فلا يشرع فيها الدعاء تبركا؛ لأن الزيارة التي أذن فيها الرسول أو ندب إليها أو فعلها مقصودها نفع الميت والإحسان غليه بالدعاء له والاستغفار ومقصودها تذكر الموت أو الرقة على الميت ولم يكن مقصودها أن تعود بركة الميت المزور على الحي الزائر ولا أن يدعوه ويسأله ويستشفع به (50).
8. التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى الله في الدعاء .
9. وضعهم اليد تبركاً على شباك حُجْر قبره صلى الله عليه وسلم وحلف بعضهم بذلك بقوله :وحق الذي وضعت يدك شباكه، وقلت : الشفاعة يا رسول الله!!
10. وتقبيل القبر أو استلامه أو ما يجاور القبر من عود ونحوه .
11. التزام صورة خاصة في زيارته صلى الله عليه وسلم ، وزيارة صاحبيه ، والتقيد بسلام ودعاء خاص.
12. قصد الصلاة تجاه قبره .
13. الجلوس عند القبر وحوله للتلاوة والذكر.
14. إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر
15. مسحه باليد وتقبيله بل الأدب أن يبعد عنه كما لو كان بحضرته صلى الله عليه وسلم في حياته
16. قصد القبر النبوي للسلام عليه دبر كل صلاة.
17. قصد أهل المدينة زيارة القبر النبوي كلما دخلوا المسجد أو خرجوا منه
18. رفع الصوت عقب الصلاة بقولهم : السلام عليك يا رسول الله .
19. تبركهم بما يسقط مع المطر من قطع الدهان الأخضر من قبة القبر النبوي !
20. تقربهم بأكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة بين المنبر والقبر .
21. قطعهم من شعورهم ، ورميها في القنديل الكبير القريب من التربة النبوية
22. مسح البعض بأيديهم النخلتين النحاسيتين الموضوعتين في المسجد غربي المنبر .
23. قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة وما حولها بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مسجد قُباء .
24. زيارة البقيع كل يوم ، والصلاة في مسجد فاطمة رضي الله عنها .
25. تخصيص يوم الخميس لزيارة شهداء أحد .
26. ربط الخرق بالنافذة المطلة على أرض الشهداء .
27. التبرك بالاغتسال في البركة التي كانت بجانب قبورهم .
28. الخروج من المسجد النبوي على القهقرى عند الوداع (51) .
29. عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة " لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقتطها إلا لمن أشاد بها ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال ولا يصلح أن نقطع فيها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره" (52) .
الفرع الرابع: زيارة قبر النبيr
دار الكثير من الجدل في هذه المسألة بين الشيخ ابن تيمية وخصومه وكانت من القضايا المحورية في حياة الشيخ ابن تيمية رحمه الله فقد كتب حولها الكثير من الكتب والفتاوى وتكلم عليها في العديد من المناسبات، في حين شنع عليه آخرون قائلين بأن ابن تيمية قد خالف الأمة قاطبة بل إن مذهبه هذا يدل على بغضه للإسلام ولنبيه محمدr!! بل حدا هذا ببعضهم إلى أن يصنف في تكفيره مصنفا!!
وقد كان من أبرز معارضيه الشيخ علي بن عبد الكافي السبكي القاضي والذي شن الغارة على الشيخ ابن تيمية وقد ألف في الرد على الشيخ ابن تيمية رسالة سماها شفاء السقام، جمع فيها الكثير من الأحاديث وأقوال العلماء فرد الحافظ ابن عبد الهادي برسالة سماها الصارم المنكي في الرد على السبكي تكلم فيها على الأحاديث التي احتج بها السبكي وبين أن الكثير منها ضعيف جدا وبعضها موضوع، وكان في رده هذا كثير التقصي والبحث درجة الإطالة أحيانا، ولم يقدر له إكماله، فجاء بعض المتأخرين وأكمله بكتاب سماه تكملة الصارم المنكي ولكنه لم يكن في بحثه وردوده كالحافظ ابن عبد الهادي، ورد بعضه على ابن عبد الهادي ولا زالت الردود وردود الردود تتوالى إلى عصرنا الحاضر.
تصوير المسألة:
والمسألة التي احتدم حولها هذا الصراع هي مسألة شد الرحل لزيارة القبر النبوي في المدينة المنورة ولتوضيح موضع الخلاف نقول إن زيارة المدينة النبوية لا تخلو من حالات:
أن يشد الرحل بقصد زيارة المسجد النبوي فهذه زيارة مشروعة ومستحبة بالإجماع.
أن يقصد المسجد والقبر بحيث يكون القبر تابعا لزيارة المسجد وهذا أيضا سفر مشروع ومستحب إجماعا.
أن يشد الرحل بقصد زيارة قبر النبي r فقط بحيث يكون المسجد تبعا أو لا يتعرض له، فهذا ما وقع فيه الخلاف بين الشيخ ابن تيمية وغيرهم:
فذهب الشيخ ابن تيمية إلى حرمة شد الرحل لزيارة القبر فقد جاء في مجموع الفتاوى:" فمن سافر إلى المسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو مسجد الرسول فصلى في مسجده وصلى في مسجد قباء وزار القبور كما مضت به سنة رسول الله فهذا هو الذي عمل العمل الصالح ومن أنكر هذا السفر فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل وأما من قصد السفر لمجرد زيارة القبر ولم يقصد الصلاة في مسجده وسافر إلى مدينته فلم يصل في مسجده ولا سلم عليه في الصلاة بل أتى القبر ثم رجع فهذا مبتدع" (53)
واستدل ابن تيمية بجملة أدلة من أشهرها حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد..."
وتوجيه الدليل أنه إذا كانت المساجد والتي هي خير البقاع لا يجوز شد الرحل إليها إلا إلى ثلاثة مساجد فشد الرحال إلى القبور أولى بالنهي.
إضافة إلى أن الشيخ استند إلى قاعدة سد الذريعة فقد رأى وسمع كيف أن زيارة القبور أفضت إلى الشرك والبدع فرأى سد هذا الباب وهو شد الرحل لزيارة القبور وعلى رأسها قبر النبي r.
وخالف الشيخ ابن تيمية آخرون وردوا عليه بجملة أحاديث هي في معظمها ضعيفة جدا ولا تصلح حتى للإنجبار ببعضها البعض.
كما أن هذه المسألة ناتجة عن مسائل التبرك والتوسل والاستغاثة وهذه المسائل ناتجة أيضا عن زيارة القبر، ولهذا فالنقاش في هذه المسألة يأخذ أبعاد عدة ويتشعب تشعبات كثيرة بحيث يحتاج أولا للتأصيل والكلام حول هذه المسائل، ولكن لن نخلي المقام من الإشارة إلى حكمها فنقول: -- التبرك لا يكون إلا بالنبيr في حياته، أما التبرك بالتمسح على قبره مثلا أو زيارته فقط فلا إذا التبرك بعد وفاة النبي تكون بالإتباع لما شرعه النبي r،.
وأما التبرك بالأماكن فبدعة ويكفينا أثر عمر "لولا أني رأيت رسول اللهr يقبلك ما قبلتك".
التوسل بالنبي r وطلب الشفاعة منه اختلف فيها العلماء على قولين فذهب الشيخ ابن تيمية إلى تحريمه لأنه دعاء غير الله وأجازه آخرون أدلة رأوها والصواب تحريم التوسل، لإفضائه إلى الشرك، وأما طب الشفاعة فبدعة أيضا ليس عليها عمل السف إضافة إلى أنه تحصيل حاصل إذ قد صح أن النبيr يشفع لناس أجمعين والمؤمنين وللعصاة فطلب الشفاعة منهr طلب لما أخبر بحصوله!!
أما الاستغاثة بالنبيr فهي من باب الشركيات، وهو إما أن يقصد أن النبيr يفعل ما يشاء وأن بيده مقادير الكون وهذا ما يغلب على العامة وأما أن يقصد به التوسل بالنبيr فهو بدعة كذلك يجب تجنبها.
الفرع الخامس: أحاديث ضعيفة وموضوعة في الزيارة
خصصت هذا الفرع لذكر جملة من الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبيr ونحوه والتي يستدل بها البعض في حين أنها ضعيفة أو موضوعة.
1- من زار قبري وجبت له شفاعتي (54)
2- من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي (55).
3- من زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً أو شفيعاً (56)
4- من جاءني زائراً لا تعلم له حاجة إلا زيارتي كان حقّاً عليّ أن أكون له شفيعاً (57)
5- من حجّ إلى مكّة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجّتان مبرورتان (58)
6- من جاءني زائراً لا يهمّه إلا زيارتي كان حقّاً على الله أن أكون له شفيعاً يوم القيامة
والحمد لله رب العالمين.
(16) البخاري 1/399، ومسلم 2/1010