هل أحسست يوما بالشفقه تجاه فرد ما واقسمت على ان تتعاطف معه وتساعده؟
لو كانت الاجابه بنعم ... فهل اذا علمت ان مساعدتك هذه سوف تكلفك الكثير ... ليس كثيرا من المال ولكن كثيرا من الشقاء والخوف ... هل سوف تستمر فى مساعدته؟
هل لو علمت ان مساعدتك هذه سوف تجعلك تدخل إلى ّعـــش الدبابيــرّ ... بـل سوف تتعامل مع الدبابير انفسهم ولا مانع من ان تنال لدغة منهم .. سوف تستمر ايضا فى هذه المساعده؟
انها معضله ..أليس كذلك؟
هكذا يبـدأ فيلم Eastern Promises .. أو وعــود شرقيه
البدايـــه
تبدأ رواية Oliver Twist للكاتب الانجليزى الكبير Charles Dickens بمشهد مؤلم للنفس ... إمرأه مجهوله تتلوى من ألم الولاده وتنجب طفلا لا يعرف له أب , ثم تموت تاركة طفلها البريء ليد القدر تصرفه كيف تشاء.
وبنفس هذا المشهد تقريبا يبدأ المخرج الكنـدى المعروف David Cronenberg فيلمنــا اليوم ّوعــود شرقيــهّ
مع شابة مجهولة تدخل صيدلية وهي على وشك الولادة فيغمى عليها من شدة الألم ثم تنجب طفلة ولا تفيق بعد ذلك؛ إذ انتقلت إلى العالم الآخر تاركة طفلتها الصغيرة بلا عائل ولا معين.
هذا التشابه في الاستهلال بين الرواية والفيلم يصاحبه اختلاف في الغاية، فإذا كان ديكنز قد أراد من هذا الاستهلال الانطلاق في عالم البؤس وإثارة الإحساس بالشفقة في نفس القارئ، من زاوية الطفل Oliver فإن David Cronenberg بالمقابل لم يجعل من الطفلة في فيلمه سوى نقطة انطلاق نحو الكشف عن عالم الجريمة المنظمة وتجارة الرقيق الأبيض التي تنشط في الجزء الشرقي من أوربا حيث الدول الشيوعية السابقة؛ ومن هنا جاء اسم الفيلم (وعود شرقية).
اللغـــز
بهذه البداية الخاطفة يصنع Cronenberg أسئلته الرئيسية: من هذه الطفلة؟
من هي أمها؟وإلى من تنتمي؟
والأهم ما هو سرها؟
والإجابة عن هذه الأسئلة ستكشف حقائق مرعبة تلقي الضوء على مأساة إنسانية لنساء فقيرات خرجن من ديارهن موهومات بوعود الثراء والنجاح ليقعن أسيرات في عالم الدعارة، ونقطة الانطلاق التي يعتمد عليها الفيلم للكشف عن ملامح هذا العالم هي (المذكرات) اليومية التي تتركها الأم الشابة إلى جانب طفلتها الصغيرة في مستشفى الولادة، ففي هذه المذكرات يوجد السر الذي نبحث عنه وتوجد الإجابة عن الأسئلة السابقة.
لكن تبقى هناك مشكلة، وهي أن هذه المذكرات مكتوبة باللغة الروسية التي لا يفهمها أحد، وهنا تأتي أهمية الممرضة Anna Khitrova (Naomi Watts) الروسية الأصل التي كانت ضمن الطاقم الطبي المشرف على عملية الولادة والتي أبدت تعاطفاً تجاه الطفلة الصغيرة وتعهدت بأن تبحث عن أهلها، وما يساعد الممرضة Anna في ذلك أن خالها الذي يتقن الروسية سيقوم بترجمة المذكرات، لكنها لا تعلم أن رحلة البحث هذه ستكلفها الكثير، لأنها اقتحمت عش الدبابير ّ عـــالم المافيا والإستخبارات الروسيـه ّ
تؤدي النجمة Naomi Watts دور الممرضة Anna إلى جانب طاقم من الممثلين المتألقين كالأمريكي Viggo Mortensen بدور عضو المافيا الروسية Nikolai Luzhin ( والذى تم زراعته فى هذا الموقع من خلال وكالة الاستخبارات الروسيه) , والعجوز المبدع Armin Mueller-Stahl بدور زعيم المافيا.
وهؤلاء يمثلون الشخصيات الرئيسية التي تتمحور حولها حبكة الفيلم والتي صاغها بإحكام المخرج David Cronenberg بأسلوبه الرتيب الموحش والمرعب الذي جعل من الفيلم واحداً من أفضل أفلام السنة الماضية.
فك رموز اللغـــز
في هذا العالم الموحش تمسك الممرضة Anna بالمذكرات وتبدأ مهمة البحث عن عائلة الطفلة الصغيرة انطلاقاً من المحتويات الشخصية التي كانت تحملها الأم الراحلة، وتشير هذه المحتويات إلى أن الأم كانت تعمل في أحد المطاعم الروسية الفخمة، تذهب Anna إلى هناك وتلتقي بالعجوز Semyon – صاحب المطعم - وتبلغه بوجود الطفلة والمذكرات من دون أن تدرك أن هذه الطفلة هي ثمرة لحادثة اغتصاب فتاة قاصر يتورط فيها بشكل مباشر هذا العجوز الذي يدير أيضاً واحدة من أخطر عائلات المافيا الروسية في لندن، وهنا تجد Anna نفسها في مواجهة مع مجرمين عتاة يطمحون للحصول على المذكرات التي تعتبر الوثيقة الوحيدة التي تثبت تورطهم في حادثة الاغتصاب. فهل تعطيهم ما يريدون؟
الطفلة والمذكرات؟ أم تقاوم؟
تحكي المذكرات تفاصيل ما جرى للأم البائسة منذ أن خرجت من بلدتها الروسية وهي تحمل آمالاً بريئة إلى أن وقعت في أسر العصابات التي استغلتها وانتهكت براءتها، هذه المذكرات التي تقرأها الممرضة Anna في مشاهد متفرقة من الفيلم.
دور عــالم الجريمه !!!
الفيلم لا يقف عند حدود ما جرى لهذه الفتاة بل يتوسع أفقياً ليرسم لنا خفايا هذا العالم، من ذلك المؤامرات وجرائم القتل البشعة بين أعضاء العصابات الروسية، والتنافس بينها للتحكم في تجارة الرقيق الأبيض، والتي رسمها Cronenberg بأبشع ما يمكن وبمحاكاة دقيقة كما في مشهد قطع رقبة عضو العصابة المنافسة في بداية الفيلم، ومشهد تقطيع جثته في مشهد آخر، هذه المحاكاة البشعة تجعلك تشعر ببشاعة مصير الفتيات البريئات وسط قطيع من الوحوش.
أما الرعب الأكبر فيكمن في الأداء الممتاز لأفراد العصابة وفي الكاريزما التي يتمتع بها بعضهم، مثل العجوز Armin والمتألق Viggo Mortensen الذي يؤدي هنا واحداً من أجمل أدواره وأشدها رعباً كمجرم بارد القلب يمارس دوره بمهابة لا توصف، وقد نال عن دوره هذا ترشيحاً لأوسكار أفضل ممثل رئيسي وهو الترشيح الوحيد الذي حصل عليه الفيلم وللأسف لم ينالها لسوء حظه الذى اوقعه وسط جبابرة تمثيل امثال Daniel Di Luis و Johnny Depp
الإخـــراج والتميـــز
في (وعود شرقية) لا جديد على مستوى الموضوع، لأن القضية معروفة، فتجارة الرقيق الأبيض وما يدور في فلكها من جنس ودعارة ومخدرات أصبحت من القضايا العالمية المؤرقة مثلها مثل قضية الاحتباس الحراري والعولمة وتجارة السلاح وغيرها، لكن المميز الذي يقدمه الفيلم يكمن في عناصره الشكلية، في حبكته المرسومة بإحكام، وفي منطقه المتماسك، وفي محاكاته الدقيقة لتفاصيل عالم المافيا والجريمة بكل ما فيه من دموية وعنف.
إن كلمة "محاكاة" هي أنسب كلمة لوصف قيمة هذا الفيلم وأي فيلم آخر للمخرج David Cronenberg ففي أفلامه هناك صنعة محكمة ومنطق صارم تخضع له الشخصيات وردود الأفعال كما أن ملامح المكان بألوانه القاتمة تكون من الدقة بحيث تبعث في النفس مشاعر الهيبة والجلال.. والرعب أيضاً,
رعبٌ.. لأن الموضوعات الأثيرة ل Cronenberg دائماً هي العنف والجريمة والغرائز الإنسانية المريضة .
ففى فيلم The Dead Zone الذي أخرجه عام 1983يطرح سؤالاً فلسفياً يقول : إذا علمنا بنوايا المجرم فهل يجوز لنا أن نقتله قبل أن ينفذ جريمته؟ هل يحق لنا تصفية هتلر قبل أن يدخل عالم السياسة ويتسبب بكل هذا الدمار؟
وفي فيلمه السابق A History of Violence يتأمل في دائرة العنف.. أين تنتهي؟ وهل ينجو المجرم فعلاً إذا اعتزل عالم الجريمة؟
أما في آخر أفلامه Eastern Promises فهو يتخلى عن طرح الأسئلة ليتفرغ للرسم والتشكيل وإعادة تصوير العالم السفلي لعاصمة الضباب والبرد والوحشة (لندن).
تعليقاتى الشخصيه على الفيلم
نظرا لان انا اتفرجت على هذا الفيلم وانا فى حاله مزاجيه جيده الى حد ما جعلنى اتمتع بكل مشهد بل وكدر فيه , ومن حبكه دراميه وتمثيل راقى وديكور واقعى قاتم وجو بارد يشعرك بقشعريرة الجسد لتشعر بمعاناتين اثناء مشاهدتك .. معاناة البطله التى كانت كانت تبحث على الحقيقه وسط الوحوش , ومعاناة البنت صاحبة القصه التى كانت تروى لنا قصتها على مدار الفيلم بصوت برىء دافىء يشعر بالخوف والرعب من المصير المجهول التى توعته لنفسها فى اخر مذكرتها .
تمتعت كثيرا باداء نعومى واتس المعبر جدا عن مدى شجاعتها وتطلعها الى اظهار الحقيقه مهما كان الثمن .. وبالفعل كان الاداء صادق كما عهدناها فى جميع ادوارها السابقه
تمتعت ايضا باداء العملاق فيجو مورتينسن الذى كان ستحق بجداره الاوسكار عنها إلا ان حظه المؤسف اوقعه فى وسط الوحوش , اداء عملاق بارد يدل على ابعاد الشخصيه وطبيعتها فى مثل هذا الموقع الخطير فى وسط عائلات المافيا
اخر تعليق ممكن اقوله , انى بالفعل شعرت وكأنى اشاهد جزء اخر من السلسله المشهوره والرائعه والخالده The God Father ولكن بالتطبيق على عائلات المافيا الروسيه وليست الايطاليه