ولد مصعب بن عمير فى بيت من أشرف بيوت مكة وأعرقها ، وأكثرها جاهاً ومالاً . وحينما أخذت مكة تتحدث عن الدين الاسلامى الذى يبشر به محمد بن عبد الله كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعاً لهذا الحديث ولم يلبث أن قادته قدماه إلى بيت الأرقم بن أبى الأرقم حيث كان النبى يلتقى بأصحابه فيتلوا عليهم القرآن ويصلى معهم للاله الواحد الذى لا شريك له . ولم يكن مصعب يستمع إلى بعض الآيات التى يتلوها رسول الله حتى أحس بأن نوراً ساطعاً قد مسح غشاوة الجاهلية عن قلبه فبسط يده للنبى يبايعه على الاسلام.
ووجد نفسه مضطراً إلى إخفاء إسلامه خوفاً من أمه فقد كانت تدعى خناس بنت مالك وكانت امرأة ذات جبروت وسطوة ، فعندما علمت باسلامه ، لم يكد يدخل عليها حتى استقبلته فى غضب وثورة وهى تهدده بالويل والثبور ولكن مصعب قابل ثورتها بهدوء وثبات . فما كان منها غير أنها قامت باحكام وثاقه وحبسه داخل البيت
وحينما دعا الرسول للهجرة إلى الحبشة تمكن مصعب من الفرار من محبسه . وعاش مصعب حياة بعيداً عن النعمة الوارفة التى كان منغمساً فيها من قبل . وبينما كان رسول الله جالساً مع أصحابه أقبل عليهم مصعب يرتدى ثياباً بالية فتذكروا صورته الأولى قبل اسلامه وهو يرتدى الثياب الزاهية العطرة ، ونظر إليه الرسول عليه الصلاة والسلام فى إعجاب وقال : " لقد مصعباً وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ، ثم ترك ذلك كله حباً لله ورسوله " . وفى موعد الحج آتى مكة اثنا عشر رجلاً من أهل يثرب والتقوا مع الرسول وبايعوه بيعة العقبة الأولى فأنفذ الرسول معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقهم فى الدين .
وفى يثرب نزل مصعب وكان يأتى الأنصار فى دورهم فيدعوهم إلى الاسلام ويتلو عليهم القرآن حتى ظهر الاسلام وانتشر فى الأوس و الخزرج. ولقد تعرض لبعض المواقف الحرجة التى كان يمكن أن تعرضه للهلاك لولا فطنته وعظمة نفسه
فذات يوم كان مصعب جالساً ومعه سعد بن زرارة وهو يعظ الناس ففوجئ بقدوم " أسيد بن حضير " سيد بنى عبد الأشهل بالمدينة وهو يكاد ينفجر من فرط الغضب على ذلك الرجل الذى جاء من مكة ليفتن قومه عن دينهم ، فوقف مصعب أمام أسيد وقد كان ثائراً ، ولكن مصعب انفجرت أساريره عن ابتسامه وضاءة وخاطب أسيد قائلاً : أو لا تجلس فتستمع ؟ فان رضيت أمرنا قبلته وان كرهته كففنا عنك ما تكره . قال أسيد أنصفت .. وركز حربته وجلس يصغى وأخذت أسارير وجهه تنفرج كلما مضى مصعب فى تلاوة القرآن وفى شرح الدعوة للاسلام ولم يكد يفرغ من كلامه حتى وقف أسيد يتلو الشهادتين
سرى النبأ فى المدينة كالبرق فجاء سعد بن معاذ و تلاه سعد بن عباده وتلاهم عدد من أشراف الأوس و الخزرج . وارتجت أرجاء المدينة من فرط التكبير . وفى موسم الحج التالى لبيعة العقبة قدم من يثرب سبعون مسلما من بينهم امرأتان ، وكان ذلك فاتحة مباركة لهجرة الرسول إلى المدينة
وفى يوم بدر أبلى مصعب بن عمير أحسن البلاء وانتهت المعركة بنصر المسلمين . وفى يوم أحد كان مصعب يحمل لواء المسلمين ويتقدم الصفوف فى شجاعة فأقبل فارس من المشركين يدعى ابن قميئة فضربه بالسيف على يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " وأخذ اللواء باليد اليسرى فضرب يده اليسرى فقطعها وضم مصعب اللواء بعضديه إلى صدره وهو يقول " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " فحمل عليه ابن قميئة بالرمح فوقع مصعب على الأرض شهيداً وهو يحتضن اللواء . وأراد المسلمون بعد المعركة أن يكفنوه فلم يجدوا إلا برده صغيره إذا وضعت على رأسه ظهرت رجليه ، وإذا وضعت على رجليه ظهرت رأسه فنظر إليه الرسول وقال " لقد رأيتك بمكة وما بها أرق حلة ولا أحسن لمة منك ثم ها أنت ذات شعث الرأس فى برده " فسلام الله على مصعب أول داعية فى الاسلام فى مكانه العلى مع النبيين والصديقيين و الشهداء