السادسة عشرة: 'أعلنت لجنة أموال الزكاة في محافظة جنين في فلسطين أنها تعتزم بناء قرية لرعاية أبناء الشهداء لتوفير الحماية لهم، وضمان مستقبل أفضل لهم .. إلخ'، وهذا مشروع جميل، ويمكن القول أيضًا: لم لا يكون هناك بناء لمساكن وبيوت للفلسطينيين بدل عيشهم في المخيمات والخربات، ويكون هناك ضغوط دولية وأممية لتسهيل العقبات؟ أليست إسرائيل الآن تبني آلاف المستوطنات جبرًا أمام أعين ومسامع العالم كله وهي مغتصبة للأرض؟!! فلم لا تكون المطالبات ببناء مشاريع سكنية لأهل الحق والأرض تدعمها الدول الإسلامية والعربية لتثبيت أهل الأرض بأرضهم، وإعانتهم على تأكيد حقوقهم؟
السابعة عشرة: المقاطعات الاقتصادية لليهود:
المقاطعة الاقتصادية ورقة ضغط لها أثر كبير ومؤثر؛ وكان لبعض الدول العربية وقفة تذكر وتشرك في مثل هذا الشأن، وهذا واجب على كل دولة إسلامية صادقة في شعورها تجاه الأقصى وشعب فلسطين؛ فإن مجرد قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية سيلحق بالدول العبرية ومن شايعها أفدح وأكبر الخسائر الاقتصادية.
الثامنة عشرة: التأكيد دائمًا على ضعف كيد الكافرين:
مهما كان عملهم ومهما كان هذا الكيد ومهما كان هذا الجهد في حرب الإسلام والمسلمين ومهما اتبعوا من وسائل فإن الله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوت} [النساء:76]، فأنت صاحب عقيدة، وصاحب مبدأ ويكفيك هذا فخرًا ونصرًا، {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76]، إذًا فهو كيد ضعيف، لكن ما دام حال المسلمين أضعف، فلا شك أن كيد الشيطان وأوليائه سيكون أقوى رغم ضعفه وهوانه وحقارته، لكن أعمل وسترى؛ فقد قال تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [الأنفال:18]؛ فالمهم اعمل .. تحرك .. فكر .. ابذل لهذا الدين ونصرته .. سجل في موازين أعمالك وفي حسناتك أعمالاً صالحة تنصر بها دين الله عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ} [غافر:25]. ثم أخيرًا اعلم وتفطن وتذكر دائمًا أن الأعداء بعضهم أولياء بعض {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73].
التاسعة عشرة: لا بد أن نغرس في النفوس سنة الله في المداولة والابتلاء:
فقد يرد على كثير من الناس سؤال: لماذا ينتصر أعداء الله على المسلمين، ولماذا يمكن الله الكافرين من المؤمنين؟ هذا السؤال قد يرد على كثير من الناس .. أقول: الإجابة أسوقها إليك من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه 'إغاثة اللهفان' عندما قال: 'الأصل الثامن: أن ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم وكسرهم وقهرهم لهم أحيانًا فيه حكم عظيمة لا يعلمها إلا الله عز وجل: فمنها: استخراج عبوديتهم وذلهم لله، وانكسارهم له، وافتقارهم إليه، وسؤاله نصرهم على أعدائهم، ولو كانوا دائمين منصورين قاهرين غالبين لبطروا وأشروا. ولو كانوا دائمًا مقهورين مغلوبين منصورًا عليهم عدوهم، لما قامت للدين قائمة، ولا كانت للحق دولة فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن صرفهم بين غلبهم تارة، وكونهم مغلوبين تارة. فإذا غُلبوا تضرعوا إلى ربهم، وأنابوا إليه، وخضعوا له، وانكسروا له وتابوا إليه، وإذا غَلبوا أقاموا دينه وشعائره، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا عدوه، ونصروا أولياءه. ومنها: أنهم لو كانوا دائمًا منصورين غالبين لدخل معهم من ليس قصده الدين، ومتابعة الرسول .. ولو كانوا مقهورين مغلوبين دائمًا لم يدخل معهم أحد، فاقتضت الحكمة الإلهية أن كانت لهم الدولة تارة، وعليهم تارة. فيتميز بذلك بين من يريد الله ورسوله، ومن ليس له مراد إلا الدنيا والجاه. ومنها: أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفي حال العافية والبلاء، وفي حال إدالتهم والإدالة عليهم. فلله ـ سبحانه ـ على العباد في كلتا الحالين عبودية بمقتضى تلك الحال. لا تحصل إلا بها، ولا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر، والبرد، والجوع، والعطش، والتعب والنصب، وأضدادها. فتلك المحنُ والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني والاستقامة المطلوبة منه، ووجود الملزوم بدون لازمة ممتنع. ومنها: أن امتحانهم بإدالة عدوهم عليهم يمحصهم ويهذبهم. كما قال في حكمة إدالة الكفار عل المؤمنين يوم أحد: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[139]إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ[140]وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:139ـ 141] يخلصهم من ذنوبهم من غفلتهم مما تراكم عليهم من الغفلة والذنوب؛ فإن في هذه الابتلاءات تمشيطًا أو تخليصًا وتهذيبًا لهم من الله عز وجل، واتخاذًا للشهداء منهم في مثل هذه الأمور، ثم يقول ـ سبحانه ـ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ[142]وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ[143]وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:142ـ144]، يقول ابن القيم: فذكر الله ـ سبحانه ـ أنواعًا من الحكم التي لأجلها أديل عليكم الكفار، بعد أن ثبتهم وقواهم وبشرهم بأنهم الأعلون بما أعطوا من الإيمان، وسلاهم بأنهم إن مستهم القرح في طاعته وطاعة رسوله مس أعداءهم القرح في عداوته وعداوة رسوله'.
وأخيرًا الوسيلة العشرون: لابد من التذكير والتواصي دائمًا:
بأن موتانا في الجنة وموتاهم في النار، الدنيا لهم والآخرة لنا، حقيقة نسيها المسلمون حتى أصبحت الدنيا لكثير من المسلمين غاية وهدفًا، فأصابهم الهوان والذل؛ وهذا هو واقع الكثير من المسلمين؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: 'ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائلٌ: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت'.
وفي الختام لنا أن نتساءل: هل ستظل مواقفنا تجاه قضايانا ردود أفعال وحماسًا ربما انطفأ بعد أيام؟ فبعد هذه المشاعر الأخوية الرائعة، مع قضيتنا الفلسطينية، قضية الأمة الإسلامية، لا بد من التأكيد على أهمية الاستمرار حتى النهاية، وألا تكون هذه التحركات والصيحات مجرد ردود أفعال تثيرها مواقف، وتجمدها أخرى، وليست القضية الشيشانية عنا ببعيدة؛ فقد تألمنا وتكلمنا واجتهدنا، ثم غفلنا عنها وطويت أحداثها لدى الكثير من الناس رغم أن الجرح ما زال ينزف، والفئة المؤمنة وحدها هناك تصول وتجول وتقاتل، ليس لهم ناصر ولا معين إلا الله، فحق على أهل الإسلام أن تربيهم التجارب والوقائع؛ وتصقلهم الابتلاءات والمحن، ومن الابتلاء ما جلب عزًا وذكرًا، وكتب أجرًا، وحفظ حقًا: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].
صبرًا جميلاً يا فلسطين الإبا
فالله ينصركم ولا لا تجزعوا
هبوا جميعًا والإله نصيركم
لا تيأسوا فالنصر آتٍ يسطعُ
يا قدسنا بشراك في يوم الأسى
إن الطهارة سوف تأتي تسرعُ
وتزول أرجاس تدنس أرضنا
ونعيش في خير وعز يُمْتِع
اللهم فك أسر الأقصى؛ وطهره من الأنجاس الحاقدين، واحفظ المسلمين المستضعفين في فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم آمين
20 وسيلة لنصرة الأقصى
جهاد :مجلة البيان :عدد 199 ـ ربيع الأول 1425هـ