الصلاة والدعاء وإطعام الفقراء.. زادك في رمضان
شهر رمضان هو من خير أيام الله, فيه انزل القرآن الكريم, وفيه ليلة خير من ألف شهر تتنزل فيها الملائكة والروح بإذن ربهم, قال عنه رب العالمين كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به وعن حكمة مشروعية الصيام وفوائده التربوية والنفسية والبدنية.
يقول الدكتور نصر فريد واصل, مفتي مصر الأسبق, وعضو هيئة كبار العلماء, فرض الله الصيام علي كل أمة بما يحقق لها تقويم النفس, فبعض الأمم حرم عليها طعام وشراب معين, حيث يكون الامتناع عن ذلك دليلا علي طاعة الله, بينما جاء الإسلام بمنهج التوازن والوسطية, حيث يشمل جانبا ماديا يتمثل في الامتناع عن الطعام والشراب والأشياء المباحة, وجانبا معنويا يتمثل في: الكف عن المحرمات التي نهي الله عنها, وكل ذلك لمصلحة الإنسان لتحقيق التقوي وهو هدف عام في كل التشريعات السماوية, وقد أثبت التحقيق العلمي أن هذا الشهر كاف لتحقيق التوازن المادي والمعنوي في الجسم, لما حدث له من تجاوزات خلال العام حيث يخرج الجسم كل ما فيه من سموم, ويكون المسلم عبدا قويا ينفذ ما أمره الله به, وينتهي عما نهاه عنه, ويكون خليفة الله علي الأرض يتمتع بخيرات الله ويساعد الآخرين كذلك, ويستطيع المسلم تحقيق ذلك عن طريق إتباع أوامر الله حيث تبين أن الالتزام بالصوم من الناحية الشرعية الصحيحة, والبعد عن الإفراط في الطعام بعد الإفطار له أثر كبير في الاستفادة من الصيام, ويصبح رمضان في هذه الحالة بمثابة تطهير كامل للبدن ماديا وروحيا مثل الثوب الذي اتسخ وتم غسله بالمنظفات والماء وعاد نقيا, كما يجب أن يسعي الإنسان إلي تحقيق صفاء النفس بما يحقق التوازن مع البدن بحيث يسمو الإنسان علي شهوات الحياة ولا يأخذ منها إلا القدر الضروري لأن يعيش قويا محافظا علي بدنه وصحته بدون جشع.
كما يكون الصوم لدي الصائم ملكة التقوي والخشية من الله, ويؤكد في الإنسان معني الإخلاص, فالصوم هو عبادة لا تظهر أي علامات لها فتكون بعيدة عن الرياء, ولا يعلم أحد هل الذي بجواره صائم أم لا؟ ولذلك ورد في الحديث القدسي( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي, وأنا أجزي به).
هوس المسلسلات
وحتي تتحقق تلك الفوائد التربوية والنفسية العظيمة من شهر رمضان فإن علماء الدين يحذرون من الانسياق وراء ما تزدحم به الشاشة التليفزيونية من مسلسلات وإلحاح إعلاني مستمر يتنافي والحكمة من شهر الصيام, وعن ذلك يقول الدكتور واصل: وسائل الإعلام لها أثر كبير في هداية الناس وإرشادهم, والعمل علي أن يعبدوا ربهم عبادة حقيقية من خلال البرامج الهادفة, والبعد بقدر الإمكان عن البرامج التي تفسد هذه العبادة بما فيها من سفور ومظاهر تعطل المسلم عن تأدية العبادات في أوقاتها, خصوصا أوقات الصلوات, والتليفزيون يذيع خلال شهر رمضان ما لا يتوافق مع قدسية هذا الشهر ومكانته فهو شهر القرآن وليلة القدر, وشهر الخير للبشرية جميعا, فيجب أن نكون علي مستوي هذا الشهر, ولذلك فإن أمن الوطن يتحقق بأن تتوافق وسائل الإعلام فيه علي تحقيق مصلحة الفرد والجماعة.
لا.. للتبذير
كما يحذر علماء الدين من الانسياق وراء الإلحاح الإعلاني, مؤكدين أن الإسراف والتبذير ليسا من أخلاق الإسلام في شيء, ويتنافيان مع ما شرع لأجله الصوم من إحساس الغني بالفقير وتربية النفس وتأديبها,وأوضح الدكتور أحمد كريمة, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر,أن الشريعة الإسلامية تحرم الإسراف والتبذير بكل صوره وأشكاله وذلك لحكم عظيمة وأهداف سامية تبرز في تنمية معني القصد في الغني والفقر وضبط الإنفاق في حالات اليسر والعسر, وأضاف قائلا: الإسراف والتبذير في الشهر الكريم يتنافي والحكمة من مشروعية الصوم, إذ انه في الأصل شرع ليشعر الغني بالفقير لا أن يتزايد الغني في ممارسة ما يمارسه من أفعال تكرس للضغينة بينه وبين الفقير, كما أن الإسراف والتبذير آفتان تهددان الأمم والمجتمعات ويبدد الأموال والثروات وهما سبب للعقوبات العاجلة والآجلة وهما سبب للترف الذي ذمه الله وعابه وتوعد أهله في كتابه, كما أنهما سبب يؤدي بصاحبه إلي الكبر وطلب العلو في الأرض وفي ذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: كلوا وأشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة وهو ما يبين أن الإسراف قد يستلزم المخيلة وهو الكبر وهو ما ينشأ عن فضيلة يتراءاها الإنسان من نفسه, وأن الإسراف والتبذير يؤديان إلي إضاعة المال وتبديد الثروات, وهو أيضا سبب من أسباب الضلال في الدين والدنيا وعدم الهداية لصالح المعاش والميعاد ثم إن عقوبة الله تعالي للمسرفين تمثلت في أن جعلهم إخوانا للشياطين, كما حرم الإسلام التبذير والإسراف لما فيهما من سفه وتفاخر بينما الإسلام شريعته تحث علي الوسطية في كل شيء والعدل في كل شيء والإسراف فيه خروج عن المألوف وافتعال للإنفاق في غير فائدة وتبديد للثروات فيما لا عائد من ورائه.
شنطة رمضان
ولأنه شهر الجود والكرم, فإن علماء الدين يطالبون الأغنياء وميسوري الحال بالتوسع في توزيع شنطة رمضان والصدقات علي الفقراء والمحتاجين وإيصال الطعام لمستحقيه في بيوتهم والمتعففين الذين يخشون التعرض للحرج المتمثل في الجلوس علي طاولة علي رصيف أحد الشوارع لتناول وجبة الإفطار, ويري الدكتور نصر فريد واصل, شنطة رمضان هي واحدة من صور التكافل الاجتماعي في هذا الشهر الكريم التي أمر الإسلام بها لما له من فضائل كثيرة تجعلنا نتقرب من الفقراء والمساكين راجين الثواب من الله سبحانه وتعالي, ومن صور التكافل الاجتماعي والحقوق الأسرية التي يجب أن تحظي بالعناية والاهتمام من بداية هذا الشهر الكريم ولا تنقطع طوال السنة الزيادة في بر الوالدين والقرب منهم والتحبب إليهم, لما له من الأجر العظيم والثواب الكبير والإحسان إلي الأهل والأولاد, وذلك بالتوجيه الرشيد والكلمة الطيبة والتعامل الحسن وكذلك بالتوسعة عليهم ماديا بحدود المصلحة وصلة الرحم والأقارب والصدقة علي المحتاج منهم و تفقد الجيران وزيارتهم والتعرف علي أحوالهم وظروفهم ومساعدة الفقراء والمساكين والأرامل واليتامي والنظر في حاجاتهم. ويجب علي المزكي إعطاء الفقراء زكاتهم باليد, ولكن في هذه الأيام لا يعرف المزكي الفقراء وخاصة في المدن التي لا يعرف الجيران بعضهم بعضا, لذلك يجوز إعطاء الزكاة للجمعيات الأهلية الموثوق بها لتوزيعها علي الفقراء والمحتاجين.