نظام الشورى فى الإسلام
نظام الشورى فى الاسلام...سن الإسلام مبدأ الشورى بين الحاكم والمحكوم وبين أبناء المجتمع المسلم، فقال تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ»، وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ»، فالشورى تنهي الاستبداد وتحد من الظلم وتحجب الجور؛ لأن في اجتماع الآراء وملاقحة الأفكار وتقليب وجهات النظر استجلاء للأمور وكشفا للحقائق وإظهارا للمستور وتعريفا للخطأ.
ولو بقي الحاكم بلا مشورة ولا نصح لاستبد به الرأي وصار على طريقة فرعون حيث يقول: «مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ»، لكن الإسلام أمر الحاكم أن يستشير أهل العلم والإيمان وأهل الاختصاص والعقل والتدبير ليعينوه بآرائهم السديدة إلى الصواب في القول والعمل فيكون قراره موفقا وعمله صائبا، ولهذا شاور صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو النبي المعصوم الموحى إليه من ربه، فكيف بغيره ممن لا عصمة له ولا يؤمن عليه الخطأ وهو مظنة الحيف والزلل؟
وإنك لتجد أكثر الأخطاء القاتلة التي وقع فيها الحكام عبر التاريخ إنما هي من التفرد بالرأي والاستبداد بالحكم ورفض النصح واقتراح المشورة، فوقع الظلم والجور والتصرفات الهوجاء والأفاعيل الرعناء، فلهذا أخذ الإسلام بالحيطة درءا لهذه المخاطر وحماية للأمة والدولة والمجتمع من عواقب الاستبداد والانفراد بالقرار، فأوجب التشاور، ودعا إلى النصيحة بالحكمة والرفق واللين، يقول عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
والشورى في الإسلام تؤخذ من أهل الحل والعقد ممن له قدم صدق في الإيمان والخير والصلاح والنفع والفضل والعقل وحسن الفهم وسداد البصيرة وسلامة النهج، ولا تؤخذ المشورة من السفهاء والأغبياء والحمقى وأهل الريب والمخالفات ومرضى القلوب.
فكان نظام الإسلام في الشورى أحسن نظام وأنبل طريقة وأجمل نهج؛ فلم يقرّ الاستبداد الفردي ولا رأي الغوغاء، وإنما توسط فألغى التوحد بالرأي ورفض رأي الهمج الرعاع وأتى بلزوم مشاورة الحاكم لأهل الفضل والعلم والخير والصلاح، فكان تماما على الذي أحسن. ولهذا تجده وسطا في مسألة الحكم بين نظام الاستبداد والاستعباد والنظام الديمقراطي المبني على أخذ آراء كل الناس، وأتى بالحل الوسط السليم القويم المبني على اجتماع عقول البصيرة والرأي السديد والمعرفة والتجربة.
وعلى ذلك كان منهجه صلى الله عليه وسلم ومنهج خلفائه الراشدين في تقليب وجهات النظر وأخذ المشورة وتبادل الآراء للوصول لأجمل وأفضل الحلول وأحسن وأكمل الخطط، فقامت الدولة النبوية ودولة الراشدين على نظام الشورى، فصارت رحمة بالرعية وبركة للأمة ونصرة للضعيف وحماية للبلاد وعزا للدولة وهيبة أمام العالم، فحصل خير الدنيا والدين، واجتمع الشمل، وتوحدت الكلمة وحكم بالشريعة، ونفذت الحدود وأمنت الثغور، وقام سوق الجهاد واستمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعم الأمن وشمل الرخاء وحلت البركة والسكينة والطمأنينة في المجتمع، وأمنت السبل وارتدع أهل البغي والعدوان من البغاة المحاربين وقطاع الطرق، وظهرت شعائر الإسلام وقام منار العدل وشيدت صروح العلم والمعرفة، فاستنار العقل وانشرح الصدر واستنارت البصيرة.
فكانت بحق أجمل حقبة من حقب التاريخ وأبهى مرحلة من مراحل الزمن وأحسن عهد من عهود التاريخ هو عهد النبوة والخلافة الراشدة، فإنها الغرة البيضاء في وجه الأيام والتاج الفريد الوحيد على رأس الزمن؛ لأن هذا العهد حقق صلاح الدين والدنيا ونفع الفرد والمجتمع وحق الروح والبدن وواجبات الحاكم والمحكوم، وهو العهد الذي طبق فيه الإسلام كاملا غير منقوص تطبيقا صحيحا، وهو العهد الذي كمل فيه النصر وتم العدل وتوسعت الفتوح وسعدت الأمة، وكبت العدو وأمن الناس وأزيلت المنكرات وانتشرت البركة وتوحد الشمل وتجمعت الأمة في طائفة ناجية منصورة صالحة راشدة على كلمة سواء.