في الوقت الذي تسيل فيه الدماء وتتواصل الاشتباكات، وفي ظل التنازلات العربية الأخيرة وحالة الصمت العربي المخجل، وما أن عاد المؤتمرون من أنابولس حتى أطلقت "إسرائيل" أخطر وأكبر عملية تهويد في حق القدس والمقدسات، في أكبر وأخطر هجمة على المدينة منذ احتلالها في عام 1967.
القدس اليوم باتت تعيش أياماً بالغة الخطورة حيث أطلقت "إسرائيل" ماكينة الاستيطان والتهويد في أسرع وأوسع وأخطر أشكالها وكأني بأنابولس جاء منبراً لإطلاق هذه المرحلة من مراحل الصراع. فالاستيطان يتصاعد ويتسارع بمعدلات غير مسبوقة، كما تتسارع خطوات التهويد والابتلاع من خلال الاعتداءات المبرمجة على المؤسسات الإسلامية في القدس المحتلة، إلى جانب سياسة تهجير سكانها الأصليين منها بهدف تغيير معالمها وطمس هويتها العربية والإسلامية وتزوير تاريخها الإسلامي.
ففي 29/01/2008 تعهد رئيس وزراء العدو "الإسرائيلي" أيهود أولمرت، أمام رئيس حزب شاس الصهيوني إيلي يشاي، بأن "إسرائيل" لن تجمد الاستيطان في القدس، كما أن وزير الحرب إيهود باراك تعهد بدراسة عدم وقف الاستيطان في جبل أبو غنيم بالقدس"، ثم اتخذ مجلس حاخامات يشاي قراراً مفاده إذا بدأت الحكومة "الإسرائيلية" بالتفاوض مع الفلسطينيين حول مصير القدس فإن الحزب سينسحب من الحكومة فوراً.
وفي سياق هذه السياسة الصهيونية المبرمجة التي تستهدف جميع المقدسات الإسلامية في فلسطين، فإنه قبل أيام من هذا الشهر وتحديداً (الخميس 13/3/2008) قام عشرات الصهاينة باقتحام ساحة الأقصى المبارك ومنبر صلاح الدين، وفي ذات السياق كذلك شرعت سلطة وجيش الاحتلال الصهيوني بتسجيل ممتلكات عقارية عربية وأوقاف إسلامية في البلدة القديمة بالقدس في قسم التسجيل بوزارة الداخلية الصهيونية "الطابو"، وتسجيلها على أساس أنها أملاك يهودية وتقوم بإطلاق أسماء عبرية عليها رغم أنها أملاك عربية كانت تتبع الوقف الإسلامي.
فالكيان الصهيوني الغاصب يواصل إرهابه وإجرامه الدموي بغطاء ومباركة دولية، عبر الاعتداءت والاقتحامات وعبر التوسع في المشاريع الاستيطانية في القدس المحتلة وإنشاء المزيد من المغتصبات وتسمين القائم منها وطرح مناقصات لبناء أحياء استيطانية جديدة على أراضي صور باهر والمكبر، ناهيك عن القضم المنهجي لما تبقى من أرض مقدسية أتى عليها جدار الضم/ الفصل العنصري.
في الوقت نفسه تتواصل الحفريات أسفل المسجد الأقصى حتى بلغت أخطر مراحلها، وتهدد بقاءه تمهيداً لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه.
إن الموقف الصهيوني ليس بالجديد بل إنه الموقف الطبيعي، إلا أن ما هو غير طبيعي هو هذا التخاذل العربي المطبق عن النصرة، نعم هناك أصوات تعلو هنا وهناك ولكنها تبقى أصواتاً باهتة، وغير مؤثرة، لقد غاب التأثير مع غياب التحرك المنظم لإنقاذ الأقصى والقدس، فلا نكاد نلمس ردود فعل عربية أو إسلامية قوية على عمليات التخريب والتهويد والتشويه المستمرة والمتواصلة، وكأني بأن ما يجري في هذه البقعة المقدسة هو خارج هذا العصر الصهيو أمريكي بامتياز.
القدس اليوم في أخطر مراحل احتلالها، ومؤتمرات القمة العربية والإسلامية لم تنجح في توجيه أية رسائل تفيد بأن الأمة تتحرك وتتصدى، مما يغري بالمزيد من التطرف والمزيد من الأذى، فيا أمة العروبة والإسلام هلا تحركتم قبل أن تضيع القدس، حينها لا ينفع الندم.