تقول السائلة: إن زوجها أجبرها على الوطء في الدبر وهي تعلم أن ذلك محرم شرعاً ولكنها سمعت أن المرأة تصير طالقاً إذا أتاها زوجها في دبرها فما الحكم في هذه المسألة أفيدونا ؟
الجواب: إن شريعة الإسلام المباركة قد بينت للناس كل الأحكام التي يحتاجون إليها في جميع نواحي حياتهم ومن ذلك طريقة المعاشرة الزوجية الصحيحة والموافقة للفطرة الإنسانية يقول الله تعالى:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } سورة البقرة الآية 222 وقال الله تعالى في الآية بعدها {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} سورة البقرة الآية 223 قال أهل التفسير إن المراد هو إتيان الزوجة في محل الولد وهو المحل الذي أمر الله عز وجل أن تؤتى الزوجة فيه ومن المعلوم عند الناس كافة أن محل الولد هو القبل لا الدبر. انظر تفسير القرطبي 3/90.
وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في تحريم إتيان الزوجة في دبرها فمن ذلك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأة في دبرها). رواه أحمد وأبو داود وهو حديث حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود. وقال:( فقد بريء مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم). وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 7/68. وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها ). رواه أحمد وابن ماجة. وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تأتوا النساء في أعجازهن أو قال في أدبارهن). رواه أحمد.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى). رواه أحمد.
وعن علي بن طلق قال سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ( يقول لا تأتوا النساء في أستاههن فإن اللّه لا يستحي من الحق). رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن وصححه ابن حبان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر اللّه إلى رجل يأتي امرأته في دبرها). رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان وصححه ابن راهويه انظر آداب الزفاف ص105،زاد المعاد 3/257. وعن خزيمة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 7/65
وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها كلام لأهل الحديث فهي صالحة للاحتجاج ومثبتة لتحريم إتيان الزوجة في دبرها قال الحافظ ابن حجر العسقلاني عن هذه الأحاديث :[طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به] فتح الباري 8/241.
وقال الشوكاني:[ولا شك أن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضاً] نيل الأوطار6/228 وقد أخذ أهل العلم من هذه النصوص تحريم إتيان المرأة في دبرها قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[وطء المرأة في دبرها حرام في قول جماهير العلماء] مختصر الفتاوى المصرية ص 37. ولم يصح عن أحد من العلماء إباحة ذلك وما روي من أقوال منسوبة لبعض أهل العلم بإباحة ذلك فهي أقوال ضعيفة شاذة وغير ثابتة عنهم. قال الحافظ ابن كثير :[وقال أبو بكر بن زياد النيسابورى… حدثني إسرائيل بن روح سألت مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب، هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ لا تعدوا الفرج، قلت: يا أبا عبد الله، إنهم يقولون إنك تقول ذلك- أي إباحة الوطء في الدبر- قال: يكذبون عليَّ يكذبون عليَّ ، فهذا هو الثابت عنه، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة، وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة، وعكرمة، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، ومجاهد بن جبر، والحسن وغيرهم من السلف أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار، ومنهم من يطلق على فعله الكفر، وهو مذهب جمهور العلماء] تفسير ابن كثير 1/265 وقال القرطبي: [ والصحيح في هذه المسألة ما بيناه - تحريم الوطء في الدبر - وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرءون من ذلك لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث لقوله تعالى { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} ... وهذا هو الحق وقد قال أصحاب أبي حنيفة: إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم... وقال ابن العربي في قبسه: قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه: ... وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة. فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة. وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناساً بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك، فنفر من ذلك، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال: كذبوا عليَّ، كذبوا عليَّ، كذبوا علي! ثم قال: ألستم قوما عرباً؟ ألم يقل الله تعالى: "نساؤكم حرث لكم" وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل:{ أَنَّى شِئْتُمْ} شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها، إذ هي مخصصة بما ذكرناه، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابياً بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم. وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه "تحريم المحل المكروه". ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه (إظهار إدبار، من أجاز الوطء في الأدبار). قلت: وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه. وقد حذرنا من زلة العالم. وقد روي عن ابن عمر تكفير من فعله، وهذا هو اللائق به رضي الله عنه. وكذلك كذَّب نافع من أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائي ] تفسير القرطبي 3/94-95
وقد اعتبر الشيخ ابن حجر المكي إتيان المرأة في دبرها من كبائر الذنوب وهذا هو الحق الذي تؤيده الأدلة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن من فعل ذلك واللعن لا يكون إلا على كبائر الذنوب .انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/62.
وذكر الشيخ ابن القيم حكماً كثيرة في حرمة وطء المرأة في دبرها فقال [ وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض فما الظن بالحش – الدبر - الذي هو محل الأذى اللازم ...للمرأة حق على الزوج في الوطء ووطؤها في دبرها يفوّت حقها ولا يقضي وطرها ولا يُحصّل مقصودها ... فإنه يذهب بالحياء جملة والحياء هو حياة القلوب فإذا فقدها القلب استحسن القبيح واستقبح الحسن وحينئذ فقد استحكم فساده] زاد المعاد 3/ 262-263
وقد أثبت العلم الحديث انتقال عدد كبير ن الأمراض الجنسية الخطيرة عن طريق الوطء في الدبر أو اللواط ومنها داء نقصان المناعة المكتسب (الإيدز) وهو مرض قاتل غالباً ما ينتشر بين الشاذين جنسياً الذين يمارسون اللواط (أكثر من 70% من حالات الإيدز)] الموسوعة الطبية الفقهية ص456.
وخلاصة الأمر أنه يحرم إتيان المرأة في دبرها وأنه من كبائر الذنوب. ولا يجوز للمرأة أن تطاوع زوجها في ذلك فإن فعلاه فيجب عليهما أن يتوبا إلى الله توبة صادقة ولا يعودا لذلك مستقبلاً ولا علاقة لإتيان المرأة في دبرها بالطلاق أو تحريم الزوجة.
وأخيراً فإني لا أزعم أني أصبت الحق فيما ذكرت وكتبت ، ولكن حسبي أني بذلت الجهد والوسع فما أصبت فمن الله وحده ، وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان .
والله الهادي إلى سواء السبيل